فانبسط وبسط الرئة ، فدخلها هواء آخر على مثال الرقاق الّتي ينفخ بها النار ، فإنّها إذا انبسطت امتلأت من الهواء ، ثمّ إذا قبضت انفرغت منه ، فسبحان واهب الحياة ، ما أتقن صنعه.
فصل
وأمّا الرئة فإنّ قصبتها تنتهي من أقصى الفم ، على ما ذكرنا ، حتّى إذا ما جاءت إلى ما دون الترقوة انقسمت قسمين ، وينقسم كلّ منها أقساما كثيرة ، وانتسج واحتشى حواليها لحم أبيض رخو متخلخل هوائي ، غذاؤه دم في غاية اللطافة والرقة ، فيملأ القصبة والفرج الّتي بين شعبها وشعب العروق الّتي هناك ، فصار من جملة القصبة المنقسمة ، والعروق الّتي تحتها واللحم الّذي يحتشي حواليها بدن الرئة ونصفه في تجويف الصدر الأيمن ، والآخر في الأيسر ، فهي ذات شقّين في جزئي الصدر ، لكي يكون التنفس اثنين ، فإن حدث على واحد منهما حادثة قام الآخر بما يحتاج إليه ، كالحال في العينين.
وجللت بغشاء عصبي ليحفظها على وضعها ، وليفيدها حسّا ما ، وإنما تخلخل لحمها لينفذ فيها الهواء الكثير فوق المحتاج إليه القلب ؛ ليكون للحيوان ـ عندما يغوص في الماء ، وعندما يصوّت صوتا طويلا متّصلا ، يشغله عن التنفّس ، وجذب الهواء ، وعندما يعاف الإنسان بالاستنشاق هواء منتن ، أو هواء مخلوط بدخان ، أو غبار ـ هواء معدّ يأخذه القلب ، وأن يكون معينا بالانقباض على دفع الهواء الدخاني ، وعلى النفث.
وسبب بياض لحمها هو كثرة تردد الهواء فيه ، وغلبته على ما يغتذي به ، وإنما تشعّبت شعبا ؛ لئلّا يتعطل التنفس ؛ لأنّه يصيب إحدى الشعب.