ذكر في الفصل السابق ، وإلّا لأدرك كلّ ذي شعور كلّ ما في عالم الكون ، والفساد ، واتّحد به ، بل إنّما ذلك من الشرائط والمعدّات.
وأيضا لو كان المدرك الأمر المادي العيني ؛ للزم أن يدرك بجميع كيفياته التابعة لمادّته.
مثلا من لمس الأرض ، لزم أن يدرك ثقلها ، ولونها ، وسائر كيفياتها ؛ لأنها من لوازم الأرض المادية العينية ، وهي ذات صورة واحدة بسيطة ، تتبعها سائر الكيفيات ، لا ينفصل بعضها عن بعض إلّا في العقل ، وبضرب من التعمّل ، وإذ ليس فليس.
وأيضا فإنّ موادّ هذه القوى خالية ، أو بمنزلة الخالي عن كلّ كيفية تدركها ، فلو كانت الكيفية المدركة موجودة في الخارج وهي ضدّ الكيفية الموجودة في الحس ، أو مقابل لها ، تقابل الملكة والعدم ، فيلزم على أي تقدير أن يبطل الحس ، فلم يبق الحسّ حسا ؛ إذ الحس ما دام حسّا شيء بالقوّة في محسوساته كلّها.
وأيضا قد ثبت أن حصول الشيء للشيء لا يكون إلّا إذا كانت بينهما علاقة علّية ومعلولية ، وعلى نحو خاصّ ، وإلّا لكان جميع الأشياء حاصلة لكلّ أحد ، فما لا يكون فاعلا لشيء ، ولا قابلا ، ولا مادة ، ولا صورة ، فحصول ذلك الشيء له ممتنع ، ولا علاقة كذلك بين النفس وبين المحسوسات المادية بوجه ، وبيّن أن الاتّصال على النحو المذكور لا يكفي في ذلك.
ثم ذكر ما هو رأيه ـ سلّمه الله ـ في ذلك ، وهو ما نذكره.