النفس إياها بواسطة الوهم ـ المتخيّلة ، وعند استعمالها إياها بواسطة القوّة العقلية ، المفكّرة ، بها تستنبط العلوم والصناعات ، وتقتنص الحدود الوسطى باستقراض ما في الحافظة ، وربما تسمى الثلاث الأخيرة من هذه القوى بالمسترجعة ، وأولييها بالذاكرة ، والمتذكّرة ، وإنما عرف اختصاص كلّ منها بآلة باختلالها عند تطرّق الآفة إلى تلك الآلة ، وعرف تغايرها وتعددها باختلال بعضها مع بقاء بعض ، وتتخالف أفاعيلها ، كالفعل والانفعال ، والقوّة والملكة ، لا تتعدد الأفاعيل ؛ لعدم بساطتها من كلّ الوجوه ، فإنّ ذلك مختص بالله سبحانه.
وأمّا كون كلّ من الحس المشترك والخيال قوّة واحدة مع تخالف أفاعيل الحواس ، فقد دريت سرّه ، على أن شأن الحس المشترك قبول الصور الّتي تؤتيها الحواس ، أي صورة كانت ، وشأن الخيال حفظها كذلك ، وكلّ من الأمرين واحد ، وإن كان المأتي به من الصور أمورا متخالفة المبادىء.
وأمّا وحدة المتصرّفة فلأنّه لا يلزم أن يكون المتصرّف مدركا لما يتصرّف فيه ، كيف وهذه القوى مرتبطة بعضها ببعض ، والنفس مبدأ الجميع ، ومستعملها ، وجامعها ، فالنفس كما أنها تتصرّف باليد في أمور لا تدركها بها ، كذلك تتصرف بالمتخيلة فيما تدرك بقوّة أخرى ، فهي كأنها يد روحانية للنفس ، كما أن الوهم عين روحانية لها ، فسبحان خالق البشر ، والحمد لواهب القوى والقدر.
فصل
وأمّا الصنف المتعلق بالإنسان من الملائكة ، فهم إمّا أصحاب لمم وخواطر ، وإما كرام كاتبون ، يكتبون صحائف الأعمال ، وإما حفظة له عن الآفات ، وإما غير ذلك ، ممّا لا يعلمه إلّا الله سبحانه.