وبيان ذلك على الإجمال : أن الجوهر النطقي من الإنسان المسمى بالقلب الحقيقي مثاله مثال هدف تنصب إليه السهام من الجوانب ، أو مثال مرآة منصوبة تجتاز عليها أصناف الصور ، فتتراءى فيها صورة بعد صورة ، ولا يخلو عنها دائما.
ومداخل هذه الآثار المتجددة فيه إمّا من الظاهر ، كالحواس الخمس ، وإما من الباطن ، كالخيال ، والشهوة ، والغضب ، والأخلاق ، والصفات ، فإنه مهما أدرك الإنسان بالحواس شيئا حصل منها أثر في قلبه ، وكذلك إذا هاجت الشهوة ، أو الغضب حصل منها أثر في القلب ، وإن كفّ عن الإحساس فالخيالات الحاصلة في النفس تبقى ، وتنتقل المتخيّلة من شيء إلى شيء ، وبحسب انتقالها ينتقل باطن الإنسان من حال إلى حال ، فباطنه ـ إذن ـ في التغير دائما ، من هذه الأسباب.
وأحضر الأسباب الحاصلة فيه هي الخواطر ، أي الأفكار والأذكار الّتي من أنواع الإدراكات والعلوم ، إمّا على سبيل الورود التجددي ، وإما على سبيل التذكّر من المحفوظات في الحافظة ، وهذه الخواطر هي المحرّكات للإرادات ، فإنّ النيّة والعزم والإرادة إنّما تكون بعد حضور المنويّ بالبال ، فمبدأ الأحوال الخواطر ، ثمّ الخاطر يحرّك الرغبة ، والرغبة تحرّك العزم والنية ، والنية تحرّك الأعضاء ، والخواطر المحرّكة للرغبة إمّا تدعو إلى الخير ، أعني ما ينفع في الدار الآخرة ، وإما تدعو إلى الشر ، أعني ما يضرّ في العاقبة ، فهما خاطران مختلفان ، لهما سببان مختلفان ؛ لأنهما حادثان ، وكلّ حادث يفتقر إلى سبب.
والمعلولات المختلفة تستدعي عللا مختلفة ، فيسمى السبب الداعي إلى الخير ملكا ، وفعله إلهاما ، والآخر شيطانا ، وفعله وسوسة ، وهما جوهران