مسخّران لقدرة الله سبحانه ، في تقليب القلوب ، ولعلّهما المراد بقوله عليهالسلام : «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن ، يقلّبه كيف يشاء» (١).
والقلب لصفائه ولطافته صالح بأصل الفطرة لقبول آثار الملكية والشيطانية صلاحا متساويا ، وإنما يترجّح أحد الجانبين باتباع الهوى ، والإكباب على الشهوات ، أو الإعراض عنها ، ومخالفتها ، فإن اتبع الإنسان مقتضى شهوته وغضبه ، ظهر تسلط الشيطان بواسطة اتباع الهوى والشهوات بالأوهام والخيالات الفاسدة الكاذبة ، وصار القلب عش الشيطان ، ومعدنه ؛ لأنّ الهوى مرعى الشيطان ، ومرتعه ، لمناسبة ما بينهما ، ونحو من الاتحاد.
وإن جاهد الشهوات ولم يسلّطها على نفسه ، وعارض ـ بقوّة البرهان اليقيني لوجود النشأة الباقية أبدا ـ الظنون والأوهام الكاذبة المستدعية للشهوات ، والركون إلى الدنيا والإخلاد إلى الأرض ، والاقتصار على هذه النشأة الناقصة الفانية ، وتشبّه بأخلاق الملائكة ، صار قلبه مستقرّ الملائكة ، ومهبطها ، فمن البواطن والصدور ما ينزل فيه لزيارته كلّ يوم ألوف من الملائكة لغاية صفائه ، ومنها ما يقع فيه كلّ يوم ألف وسواس ، وكذب ، وفحش ، وخصومة ، ومجادلة بين الناس ، فهو مرتع للشياطين.
فصل
ولما كان الإنسان لا يخلو عن شهوة وغضب ، وحرص ، وطمع ، وطول أمل ، إلى غير ذلك من الصفات البشرية المنشعبة عن الهوى المتبع للقوّة الوهمية ،
__________________
(١) ـ عوالي اللئالي : ١ : ٤٨ ، ح ٦٩ ، ولم ترد فيه عبارة «يقلبه كيف يشاء».