التي شأنها إدراك الأمور على غير وجهها ، فلا جرم لم يخل باطنه من جولان الشيطان فيه بالوسوسة ، إلّا من عصمه الله ، ولذلك قال النبي صلىاللهعليهوآله : «ما منكم إلّا وله شيطان ، قالوا : وأنت يا رسول الله! قال : وأنا ، إلّا أن الله أعانني عليه ، فأسلم على يدي» (١).
فمهما غلب على النفس ذكر الدنيا ومقتضيات الهوى والشهوات وجد الشيطان للتدرع بها مجالا ، فوسوس لها ، ومهما انصرفت النفس إلى ذكر الله ارتحل الشيطان ، وضاق مجاله ، فأقبل الملك والهم.
فالتطارد بين جندي الملائكة والشياطين في معركة النفس الإنسانية دائم ؛ لهيولانية وجودها ، وقابليتها للأمرين ، بتوسّط قوتيه ، العقلية والوهمية ، إلى أن ينفتح لأحدهما ، ويستوطن فيها ، ويكون اجتياز الثاني اختلاسا.
وكما أن الشهوات ممتزجة بلحم الآدمي ودمه ، فسلطنة الشيطان أيضا سارية في لحمه ودمه ، ومحيطة بقلبه الّذي هو منبع الدم ، المركب للروح البخارية الحاملة للقوى الوهمية والشهوية والغضبية.
ومن هنا قال النبي صلىاللهعليهوآله : «إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم» (٢).
وكما أن في الملائكة الّذين يدبّرون أمور الإنسان كثرة لاستدعاء تعدد الأفعال والآثار نوعا تعدد الفواعل والمؤثرات ، فكذلك الشياطين الموسوسين ،
__________________
(١) ـ صحيح مسلم : ٨ : ١٣٩ ، وفيه : عن ابن مسعود ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ما منكم من أحد إلّا وقد وكّل به قرينه من الجن ، قالوا : وإياك يا رسول الله ، قال : وإياي ، إلّا أنّ الله أعانني عليه ، فأسلم ، فلا يأمرني إلّا بخير.
(٢) ـ عوالي اللئالي : ١ : ٢٧٣ ، ح ٩٧.