مستكملا هذه (١) الأرواح الأربعة حتّى يهمّ بالخطيئة ، فإذا همّ بالخطيئة زيّن له روح الشهوة ، وشجّعه روح القوّة ، وقاده روح البدن ، حتّى يوقعه في تلك الخطيئة ، فإذا لامس الخطيئة انتقص روح الإيمان ، وانتقص الإيمان منه ، فإن تاب تاب الله عليه ، وقد يأتي على العبد تارات ينتقص منه بعض هذه الأربعة ، وذلك قول الله : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) (٢) ، فينتقص منه روح القوّة ، ولا يستطيع مجاهدة العدو ، ولا معالجة المعيشة ، وينتقص منه روح الشهوة ، فلو مرّت به أحسن بنات آدم لم يحنّ إليها ، ويبقى فيه روح الإيمان ، وروح البدن ، فبروح الإيمان يعبد الله ، وبروح البدن يدبّ ويدرج ، حتّى يأتيه ملك الموت.
وأمّا ما ذكرت من أصحاب المشئمة ، فهم (٣) أهل الكتاب ، قال الله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (٤) ، عرفوا رسول الله ، والوصي من بعده، وكتموا ما عرفوا من الحق ، بغيا وحسدا ، فسلبهم الله روح الإيمان ، وجعل لهم ثلاثة أرواح: روح القوّة ، وروح الشهوة ، وروح البدن ، ثمّ أضافهم إلى الأنعام ، فقال : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (٥) ، لأنّ الدابة ـ يا جابر ـ إنما تحمل بروح القوّة ، وتعتلف بروح الشهوة ، وتسير بروح
__________________
(١) ـ في المصدر : «مستعملا بهذه» بدل «مستكملا هذه».
(٢) ـ سورة النحل ، الآية ٧٠.
(٣) ـ في المصدر : فمنهم.
(٤) ـ سورة البقرة ، الآية ١٤٦ و ١٤٧.
(٥) ـ سورة الفرقان ، الآية ٤٤.