جرّدها بالكلية من غير تجسيم أصلا ، فنظر إليها بالعين العوراء ـ كالرهابين المعطّلين لها عن عالم التحريك والتدبير ـ فما رعوها حق رعايتها ، والكامل المحقّق من له عين صحيحة هي مجمع النورين ، فلا يعطل بصيرته عن إدراك النشأتين ، فيعرف سرّ العالمين ، ويعلم أنها مع كونها من الملكوت ، متحدة بالبدن اتحادا حقيقيا ، وأن لها وحدة جمعية هي ظل الوحدة الإلهية ، فهي بذاتها قوّة حيوانية حساسة ، ومتخيّلة ، وذات رجوع ما إلى القدس ، وهي بعينها ذات حركة إرادية ، وذات اغتذاء ، ونموّ ، وحافظة لصورته النوعية ، وهي بعينها طبيعة سارية في الجسم ، وبنفسها تنزل إلى درجة الحواسّ عند إدراكها المحسوسات واستعمالها آلة الحواس ، فتصير عند الإبصار عينا باصرة ، وعند السماع أذنا واعية ، وكذلك في البواقي حتّى اللمس والقوى الّتي تباشر التحريك ، فلها تقدّس عن المواد ، بحسب وجودها الخيالي ، الّذي هو مرتبة غيب غيوبها ، ولها اتحاد بقواها وآلاتها ، فتصير تارة غائبة عن ذاتها ، وتارة راجعة إليها وإلى بارئها ، وتارة مصروفة عن جهة القدس إلى جانب البدن ، وذلك كله للطافتها وقبولها لآثار الجوانب ، كما قيل :
لقد صار قلبي قابلا كلّ صورة |
|
فمرعى لغزلان وديرا لرهبان |
كذا أفاد أستاذنا (١) ـ مدّ ظلّه ـ.
__________________
(١) ـ أنظر : المبدأ والمعاد : ٣٠٤ ، ظلمات وهمية وإشراقات عقلية.