قال : والجمهور يعظمون هذه الخاصية أكثر من الأوليين ؛ لغلبة الجسمانية عليهم ، ثمّ يعظمون أمر الإخبار عن الحوادث الجزئية أكثر من تعظيم الاطلاع على المعارف الحقيقية.
وأمّا أولو الألباب ، فأفضل أجزاء النبوّة عندهم هو الضرب الأوّل ، ثمّ الثاني ، ثمّ الثالث ، ومجموع الأمور الثلاثة على الوجه المذكور يختصّ بالأنبياء عليهمالسلام ، وكلّ جزء منها ربما يوجد في غيرهم.
والأوّل لا يكون إلّا خيرا وفضيلة ، وهو قد يوجد في الأولياء على وجه التابعية للأنبياء ، وكلّ من الأخيرين ينقسم إلى الخير والشر ، فإنّ ضربا من الإخبار ببعض المغيبات الجزئية من الحوادث ربما يوجد في أهل الكهانة والمستنطقين ، وكذا قوّة التأثير للنفس المتعدي من النفوس الشريرة ، كما يأتي ذكره (١).
أقول : أنظر الآن إلى شرف الإنسان ، وبعد مراقيه ، كيف وصل إلى ما وصل ، وكيف فعل ما فعل؟
قال الشيخ السهروردي ، صاحب الإشراق (٢) : لما رأيت الحديدة الحامية
__________________
(١) ـ أنظر : الشواهد : ٣٤٥.
(٢) ـ يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي ، الشافعي (٥٤٩ ـ ٥٨٧ ه) (١١٥٤ ـ ١١٩١ م) ، شهاب الدين ، أبو الفتوح ، حكيم ، صوفي ، متكلّم ، فقيه ، أصولي ، أديب ، شاعر ، ناثر. ولد في سهرورد من قرى زنجان في العراق العجمي ، ونشأ بالمراغة ، وعاش بأصفهان ، ثمّ ببغداد ، ثمّ بحلب ، ونسب إليه انحلال العقيدة ، فأفتى العلماء بإباحة دمه ، فسجنه الملك الظاهر غازي ، فخنق في سجن قلعة حلب. من تصانيفه : التلويحات في الحكمة ، التنقيحات في أصول الفقه ، حكمة الإشراق ، هياكل النور في الحكمة ، والألواح العمادية ، و...
أنظر : الذريعة : ٢ : ١٠٣ ، والأعلام : ٨ : ١٤٠ ، ومعجم المؤلّفين : ١٣ : ١٨٩.