في تلك القوّة والاستعداد ، فيراه كما رأى النبي.
فالتخيّل ـ إذن ـ فيصل بين العالمين ، وحاجز بين البحرين ، ومفصل بين الحكمين ، ولو لاه لما بقي محسوس ومعقول للإنسان ، ولا كانت الصورة والمعنى مدركين بمدرك الحس والبرهان. انتهى.
قال أستاذنا : والخاصية الثالثة : أن تكون له قوّة في النفس من جهة جزئها العملي ، وقواها التحريكية ، تؤثر في مادّة العالم بإزالة صورة ونزعها عن المادة ، أو تلبسها إياها ، فيؤثر في استحالة الهواء إلى الغيم ، وحدوث الأمطار ، وتكوّن الطوفانات والزلازل ، لاستهلاكه أمة فجرت وعتت عن أمر ربّها ورسله ، ويسمع دعاؤه في الملك والملكوت ؛ لعزيمة قوية ، فيستشفي المرضى ، ويستسقي العطشى ، وتخضع له الحيوانات ، وقد ثبت إمكان ذلك ، وأن الأمزجة تتأثر عن الأوهام ، إمّا عن أوهام عامية ، أو عن أوهام شديدة التأثير في بدء الفطرة ، أو بالتعويد والاكتساب ، فلا عجب من أن يكون لبعض النفوس قوّة كمالية مؤيدة من المبادىء ، فصارت كأنها نفس العالم ، فتؤثر في غير بدنها تأثيرها في بدنها ، فتطيعها مادّة العالم طاعة البدن للنفس ، فتؤثر في إصلاحها وإهلاك ما يفسدها ، أو يضرّها ، كلّ ذلك لمزيد قوّة شوقية ، واهتزاز علوي يوجب شفقة على خلق الله ، شفقة الوالد لولده.
وكيف لا يجوز ذلك وقد جاز في جانب الشر من النفوس الشريرة الدنية ، كالعين ، فجوازه في جانب الخير من النفوس العظيمة الشديدة البطش ، المستحقّة لمسجودية الملائكة تعليمهم الأسماء ، أرجح وأولى.
ومثل هذا يعبّر عنه بالكرامة والمعجزة عند الناس. هذا ملخّص كلامه (١).
__________________
(١) ـ أنظر : الشواهد : ٣٤١ ـ ٣٤٣.