الملكوت الأوسط ، فيكون ما يراه ملكا حاملا للوحي ، وما يسمعه كلاما منظوما من قبل الله تعالى ، أو كتابا في صحيفة ، وذلك لغاية قوته ، وشدة تمكّنه في الحدّ المشترك بين المعقول والمحسوس ، فلا يستغرقه حسّه الباطن عن حسّه الظاهر ، وليست كالأرواح العامية الضعيفة إذا مالت إلى جانب غابت عن الآخر ، وإذا ركنت إلى مشعر ذهلت عن غيره ، بل لا يشغله شأن عن شأن ، ولا تصرفها نشأة عن أخرى ، فإذا توجّهت إلى الأفق الأعلى وتلقّت أنوار المعلومات بلا تعليم بشري من الله يتعدّى تأثيرها إلى قومه ، وتتمثل صورة ما يشاهده لروحه البشري ، ومنه إلى ظاهر الكون ، فتتمثل الحواس الظاهرة ، سيّما السمع والبصر ، لكونهما أشرفها وألطفها.
وقيل : إن غلب على الخيال جانب الحس شبّه كلّ معقول بمحسوس ، وإن غلب عليه العقل شبه كلّ محسوس بمعقول ، فخيال الأنبياء عليهمالسلام يرى من المحسوس المعنى المعقول ، وهو ما كان صدوره منه ، أو وروده عليه ، ومرجعه إليه ، فيرى شخصا في هذا العالم ، ويحكم عليه أنه تفاحة من الجنة ، وشخصا قطعت يده في سبيل الله ، ثبت له جناحان يطير بهما في الجنة ، وشخصا قتل في سبيل الله حيّا قائما يرزق ، فرحا مستبشرا بما آتاه الله من فضله.
وعلى العكس من ذلك يرى من المعقول محسوسا ، ومن الروحاني جسمانيا ، «هذا جبرئيل جاءكم يعلّمكم أمر دينكم» (١) ، (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) (٢).
ثم من قوّة إشراق نور خياله ونور روحه يشرق ـ أيضا ـ على من يناسبه
__________________
(١) ـ سنن الترمذي : ٤ : ١١٩ ، ذيل الحديث ٢٧٣٨.
(٢) ـ سورة مريم ، الآية ١٧.