متفاوتة في درجات الحدس والاتصال بعالم النور ، فمن محتاج (١) إلى التعلّم في جلّ المقاصد ، بل كلّها ، ومن غبي لا يفلح في فكره ، ولا يؤثر فيه التعليم أيضا ، حتّى خوطب النبي الهادي في حقّه : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (٢) ، (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٣) ، و (لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) (٤) ؛ وذلك لعدم وصولهم بعد إلى درجة استعداد الحياة العقلية ، فلم يكن لهم سمع باطني يسمع به الكلام المعنوي ، والحديث الربّاني.
ومن شديد الحدس كثيرة ، كمّا وكيفا ، سريع الاتصال بعالم الملكوت ، يدرك بحدسه أكثر المعلومات في زمان قليل ، إدراكا شريفا نوريا ، سمّيت نفسه قدسية [وكما أن مراتب الناس تنتهي بهم في طرف نقصان الفطرة وخمود نورها ، إلى عديم الحدس والفكر يعجز الأنبياء عن إرشادهم ، فيجوز أن ينتهي في طرف الكمال وقوّة الحدس وشدة الإشراق إلى نفس قدسية] (٥) ، ينتهي بقوّة حدسه إلى آخر المعقولات في زمان قصير ، من غير تعلّم ، فيدرك أمورا يقصر عن دركها غيره من الناس إلّا بتعب الفكر والرياضة ، في مدّة كثيرة ، فيقال له : نبي ، أو ولي ، وإن ذلك منه أعلى ضروب المعجزة والكرامة ، وهو من الممكنات الأقلّية.
والخاصية الثانية : أن تكون قوّته المتخيلة قوية بحيث يشاهد في اليقظة عالم الغيب ، وتتمثّل له الصور المثالية العينية ، ويسمع الأصوات الحسية من
__________________
(١) ـ في المصدر : فمن زكي لا يحتاج.
(٢) ـ سورة القصص ، الآية ٥٦.
(٣) ـ سورة فاطر ، الآية ٢٢.
(٤) ـ سورة النمل ، الآية ٨٠ ؛ وسورة الروم ، الآية ٥٢.
(٥) ـ ما بين المعقوفين نقلناه من المصدر.