فصل
قال أستاذنا ـ دام ظلّه ـ : قد عرفت أن الإنسان البالغ حدّ الكمال ملئتم من عوالم ثلاثة ، من جهة مبادىء إدراكاته الثلاثة.
وثبت أن كلّ صورة إدراكية فهو ضرب من الوجود ، ولكلّ منها قوّة واستعداد ، وكمال ، والكمال هو صيرورة الشيء بالفعل ، فكمال التعقّل في الإنسان هو اتصاله بالملأ الأعلى ، ومشاهدته ذوات الملائكة المقرّبين.
وكمال القوّة المصوّرة يؤدي به إلى مشاهدة الأشباح المثالية ، وتلقّي المغيّبات والأخبار الجزئية منهم ، والاطلاع على الحوادث الماضية والآتية ، وكمال القوّة الحسّاسة يوجب له شدة التأثير في المواد الجسمانية بحسب الوضع ، فإنّ قوّة الحس تساوق قوّة التحريك الموجبة لانفعال المواد ، وخضوع القوّة الجرمانية ، وطاعة الجنود البدنية ، وقلّ من الإنسان من تكمل فيه جميع هذه القوى الثلاث.
فمن اتّفق فيه مرتبة الجمعية في كمال هذه النشآت الثلاث فله رتبة الخلافة الإلهية ، واستحقاق رئاسة الخلق ، فيكون رسولا بين الله يوحى إليه ، مؤيّدا بالمعجزات ، منصورا على الأعداء ، فله خصائص ثلاث :
أولها : أن تصفو نفسه في قوّتها النظرية ، صفاء تكون شديدة الشبه بالروح الأعظم ، فيتّصل به متى أراد من غير كثير تعمّل وتفكّر ، حتّى يفيض عليه العلوم اللدنية ، من غير توسط تعليم بشري ، بل يكاد زيت عقله المنفعل يضيء لغاية استعداده بنور العقل الفعّال الّذي ليس هو بخارج عن حقيقة ذاته المقدسة ، وإن لم تمسسه نار التعليم البشري بمقدحة الفكر ، وزند البحث والتكرار ، فإنّ النفوس