قال الله تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) تلتمسان بذلك درجة محمّد وآل محمد في فضلهم ، فإنّ الله خصّهم بهذه الدرجة دون غيرهم ، وهي الشجرة الّتي من تناول منها بإذن الله ألهم علم الأوّلين والآخرين ، بغير تعليم ، ومن تناول منها بغير إذن خاب من مراده، وعصى ربّه ، (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) بمعصيتكما والتماسكما درجة قد أوثر بها غيركما ؛ إذ رمتما (١) بغير حكم الله ، قال الله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها) (٢) عن الجنة بوسوسته ، وخديعته ، وإيهامه ، وغروره ، بأن بدأ بآدم فقال : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) إن تناولتما منها ، تعلمان الغيب ، وتقدران على ما يقدر عليه من خصّه الله تعالى بالقدرة (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) (٣) لا تموتان أبدا ، (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (٤).
وكان إبليس بين لحيي الحيّة ، أدخلته الجنّة ، وكان آدم يظنّ أن الحيّة هي التي تخاطبه ، ولم يعلم أن إبليس قد اختبأ بين لحييها ، فرد آدم على الحيّة : أيّتها الحيّة ، هذا من غرور إبليس ، كيف يخوننا ربّنا ، أم كيف تعظّمين الله بالقسم به وأنت تنسبينه إلى الخيانة وسوء النظر ، وهو أكرم الأكرمين؟ أم كيف أروم التوصّل إلى ما منعني منه ربّي عزوجل ، وأتعاطاه بغير حكمه؟
فلما آيس إبليس من قبول آدم منه ، عاد ثانية بين لحيي الحيّة فخاطب حوّاء من حيث وهمها أن الحية هي الّتي تخاطبها ، وقال : يا حوّاء ، أرأيت هذه الشجرة الّتي كان اللهعزوجل حرّمها عليكما ، قد أحلّها لكما بعد تحريمها ؛ لما
__________________
(١) ـ في المصدر : أردتماها.
(٢) ـ سورة البقرة ، الآية ٣٥.
(٣) ـ سورة الأعراف ، الآية ٢٠.
(٤) ـ سورة الأعراف ، الآية ٢١.