والمعنوية ، أي ظهور الحوادث والحقائق ، ومثل الموت الإرادي الّذي يكون للأولياء ، ومثل الموت الطبيعي الّذي يوجب كشف الغطاء للجميع ، سواء كانوا سعداء ، أو أشقياء ، ومثل ما لو غلب على المزاج اليبوسة والحرارة ، وقلّ الروح البخاري حتّى صرفت النفس لغلبة السوداء ، وقلّة الروح عن موارد الحواس ، فيكون مع فتح العين وسائر أبواب الحواس كالمبهوت الغافل الغائب عما يرى ويسمع ؛ وذلك لضعف خروج الروح إلى الظاهر ، فهذا أيضا لا يستحيل أن ينكشف لنفسه من الجواهر الروحانية شيء من الغيب ، فيحدّث به ، ويجري على لسانه ، فكأنّه أيضا غافل عما يحدّث به ، وهذا يوجد في بعض المجانين والمصروعين ، وبعض الكهنة ، فيحدّثون بما يكون موافقا لما سيكون.
وصل
فما تتلقّاه النفس في اليقظة فعلى وجهين : فإن كانت النفس قوية وافية بضبط الجوانب ، لا تشغلها المشاعر السفلية عن المدارك العالية ، وتكون سحيّلتها قوية على استخلاص الحس المشترك عن مشاهدة الظواهر إلى مشاهدة ما تراها في الباطن فلا يبعد أن يقع لها ما يقع للنائم من غير تفاوت ، فمنه ما هو وحي صريح لا يفتقر إلى التأويل ، ومنه ما ليس كذلك ، فيفتقر إليه ، أو يكون شبيها بالمنامات الّتي هي أضغاث أحلام ، إن أمعنت المتخيّلة في الانتقال والمحاكاة ، وإن لم تكن كذلك فلا تخلو إمّا أن تستعين بما يقع للحس دهشة ، وللخيال حيرة ، أو لا ، بل كانت لضعف طبيعي في الحواس ، أو مرض طارىء ، فالأول كفعل المستنطقين المشغلين للصبيان والنساء ذوات المدارك الضعيفة بأمور مترقرقة ، أو بأشياء ملطّخة سود مدهشة ، محيّرة للحس ، مرعشة للبصر ،