متوسّطا بين الظلام والضياء ؛ لأنّه إذا رأى شيئا مظلما من خلف شيء مضيء رأى لونا مخلوطا من الظلمة والضياء ، أو لأنّ كرة البخار مستضيئة دائما بأشعة الكواكب ، وما وراءها ؛ لعدم قبول الضوء كالمظلم بالنسبة إليها ، فإذا نفذ نور البصر من الأجزاء المستنيرة بأشعة الكواكب ووصل إلى المظلم رأى الناظر ما فوقه من الجوّ المظلم بما يمازجه من الضياء الأرضي ، والضياء الكوكبي لونا متوسطا بين الظلام والضياء ، وهو اللون اللاجوردي ، كما إذا نظرنا من وراء جسم مشف أحمر ـ مثلا ـ إلى جسم أخضر ، فإنه يظهر لنا لون مركّب من الحمرة والخضرة ، وهذا اللون اللاجوردي أشد الألوان مناسبة وتقوية للأبصار ، فظهوره عناية من الله سبحانه للناظرين المتفكّرين في خلق السماوات والأرض ؛ لتكون لهم لذّة وقوّة في الأبصار في النظر ، كما تكون لعقولهم لذّة وقوّة عقلية في التأمل فيها ، فلله الحمد على نعمائه ، وله الشكر على آلائه.
فصل
إنما خلق الله الأرض ملوّنة كثيفة غبراء لتقبل الضياء ، وخلق ما فوقها من العناصر مشفّة لطيفة بالطباع ؛ لينفذ فيها ويصل إلى غيرها ساطع الشعاع ، فإنّ الكواكب ـ وسيّما الشمس والقمر ـ أكثر تأثيراتها في العالم السفلي بوسيلة أشعّتها المستقيمة ، والمنعطفة والمنعكسة بإذن الله ، فسبحان من جعل الشمس والقمر دائبين في مرضاته ، يبليان كلّ جديد ، ويقرّبان كلّ بعيد ، وجعلهما آيتين فمحى آية الليل ، وجعل آية النهار مبصرة ، لتبتغوا فضلا من ربكم ، ولتعلموا عدد السنين والحساب ، وكلّ شيء فصّله تفصيلا.