فإذا استكمل ذلك الشكل في الفلك وتمّ ، وجد به في العالم ما يقتضيه في أسرع زمان؛ لسرعة تبدّل أشكال الفلك ، فتظهر تلك القوّة الّتي يوجبها ذلك الشكل في شخص واحد ، أو شخصين ، أو أكثر ، على حسب ما تقتضيه العناية الإلهية ، وتستوعب ذلك الشخص تلك القوّة على الكمال ، فأما من قرب من ذلك الشكل ولم يستوفه فإنه يكون ناقص القوّة بحسب بعده من الشكل.
ويظهر ذلك النقصان بظهور النبوّة المقصودة من ذلك الشكل ، فيتبيّن قصور القوى المتقدمة على النبي ، والمتأخرة عنه ، ونقصانها عن ذلك التمام.
قال : فأما صفة الكاهن من أصحاب تلك القوى فهو أن صاحب قوّة الكهانة إذا أحسّ بها من نفسه تحرّك إليها بالإرادة ليكملها ، فيبرزها في أمور حسّية ، ويثيرها في علامات تجري مجرى الفال ، والزجر ، وطرق الحصى ، وربما استعان بالكلام الّذي فيه سجع وموازنة ، أو بحركة عنيفة من عدو حثيث ، كما حكي عن كاهن من الترك ، أو تحريك رأس (١) ، كما نقل إليّ من شاهد كاهنا كان في زماننا.
[إلى أن قال :] والغرض من ذلك اشتغال النفس عن المحسوسات ، فتداخل نفسه ، ويقوى فيها ذلك الأثر ، ويهجس في نفسه عن تلك الحركة ما يقذفه على لسانه ، وربما صدق الكاهن ، وربما كذب ؛ وذلك أنه يتمم نقصه بأمر مباين لكماله ، غير داخل فيه ، فيعرض له الكذب ، ويكون غير موثوق به ، وربّما تعمّد الكذب خوفا من كساد بضاعته ، فيستعمل الزرق ويخبر بما لا أثر له في نفسه ، ويضطرّ إلى التخمين.
ودرجات هؤلاء متفاوتة بحسب قربهم من الأفق الإنساني ، وبعدهم منه ،
__________________
(١) ـ عبارة «أو تحريك رأس» غير موجودة في المصدر.