الإنسان بعين الحسّ ، وبين ما يراه بعين الخيال ، مع أنهما مختلفتا الأحكام ، فربّ قليل في عين الحسّ هو كثير في عين الخيال ، وبالعكس ، كما قال تعالى : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) (١).
وقال عزوجل : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) (٢) ، وما كانوا مثليهم في عين الحسّ ، فما ذاك إلّا بعين الخيال ، فهو حقّ في الخيال ، وليس بحق في الحسّ ؛ لاختلاف النشأتين ، وهذا كما ترى في المنام اللبن تشربه ولم يكن ذلك سوى عين العلم ، فما رأيته لبنا وهو علم ليس إلّا بعين الخيال.
ومن هذا يظهر أن الرؤية ليس من شرطها أن تكون بالعين ، ولا المرئي إنّما يسمى مرئيا لكونه يحصل بالعين ، بل لأنّه غاية انكشاف الشيء ، فلو وقعت غاية الانكشاف بقوّة أخرى كانت حقيقته الرؤية بحالها ، كالصور الّتي يراها النائم في عموم أوقاته ، فالنفوس إذا كانت قوية كان اقتدارها على الاختراع أقوى ، فتكون متصوراتها موجودات خارجية حاضرة عندها بذواتها ، وعند من تكون درجته في القوّة والنورية هذه الدرجة ، كما مرّ في مباحث النشآت ، نقلا عن صاحب الفتوحات.
روى عباية الأسدي قال : دخلت على أمير المؤمنين عليهالسلام ، وعنده رجل رثّ الهيئة ، وأمير المؤمنين عليهالسلام مقبل عليه يكلّمه قال : فلما قام الرجل ، قلت : يا أمير المؤمنين ، من هذا الّذي أشغلك عنّا؟ قال : هذا وصي موسى عليهالسلام (٣).
__________________
(١) ـ سورة الأنفال ، الآية ٤٤.
(٢) ـ سورة آل عمران ، الآية ١٣.
(٣) ـ بصائر الدرجات : ٢٨٢ ، ح ١٩.