من نقطة إلى أخرى بحركة شيء منها ، وكذا الأجزاء المباينة لها ، تهوي إليها وهي تقبلها من جميع نواحيها من دون اضطراب.
نعم ، لما كانت أولا كرة حقيقية لم تثبت على وضع واحد ، بل كانت تتحرك الحركة الوضعية بأدنى سبب ؛ لأنّ بعض أوضاعها لم تكن أولى من بعض ، فخلق الله سبحانه بلطيف صنعه الجبال عليها ؛ ليخرجها عن كونها حقيقية لتثبت ولا تضطرب ؛ لأنّ الجبال بما بينها من الأهوية والمياه تقاوم الرياح والأمواج أن تحرّكها ، فتثبت ، وإذا ثبتت ثبتت الأرض بثباتها ؛ ولذلك سمّيت الجبال أوتادا ، فإنّ الوتد يوجب ثبات ما يربط به.
وأيضا فإنّ الجبال تحفظها وتمنعها من أن تتحرّك بالزلازل ، ونحو ذلك ، فسبحان من أمسكها بعد موجان مياهها ، وأجمدها بعد رطوبة أكنافها ، فجعلها لخلقه مهادا ، وبسطها لهم فراشا ، فوق بحر لجّيّ راكد ، لا يجري ، وقائم لا يسري ، تكركره الرياح العواصف ، وتمخضه الغمام الذوارف ، أمسكها من غير اشتغال ، وأرساها على غير قرار ، وأقامها بغير قوائم ، ورفعها بغير دعائم ، وحصّنها من الأود والاعوجاج ، ومنعها من التهافت والانفراج ، أرسى أوتادها ، وضرب أسدادها.
قال عز اسمه : (وَالْجِبالَ أَرْساها) (١) ، وقال جل وعز : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً* وَالْجِبالَ أَوْتاداً) (٢) ، وقال سبحانه : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) (٣) ، (هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ
__________________
(١) ـ سورة النازعات ، الآية ٣٢.
(٢) ـ سورة النبأ ، الآية ٦ و ٧.
(٣) ـ سورة النحل ، الآية ١٥.