إبليس الغواية ، فتلك الوجوه الّتي تنفتح له في ذلك الأسلوب العام الّذي ألقاه إليه أوّلا شيطان الإنس ، أو الجنّ ، تسمى شياطين معنوية ؛ لأنّ كلّ واحد من شياطين الإنس والجن يجهلون ذلك ، وما قصدوه على التعيين ، وإنما أرادوا بالقصد الأوّل فتح هذا الباب عليه ، فإنهم علموا أن في قوّته وفطنته أن يدقّق النظر فيه ، فينقدح له من المعاني المهلكة لا يقدر على ردّها بعد ذلك ، وسببه ذلك الأصل الأوّل ، فإنّه اتّخذه أصلا صحيحا ، ودلّ عليه ، فلا يزال التفقه فيه يسرقه حتّى خرج به عن ذلك الأصل.
وعلى هذا جرى أهل البدع والأهواء ، فإنّ الشياطين ألقت إليهم أصلا صحيحا ، يشكون فيه ، ثمّ طرأت عليهم التلبيسات من عدم الفهم ، حتّى ضلّوا ، فينسب ذلك إلى الشيطان بحكم الأصل ، ولو علموا ذلك علموا أنّ الشيطان ـ في تلك المسائل ـ تلميذ لهم، يتعلّم منهم (١).
فصل
لما كان لكلّ ما له وجود في عالم الحسّ ، كذلك له وجود في عالم الغيب والتمثّل ، فالجنّة والشياطين كما أن لهما وجودا في هذا العالم ـ عالم الحس ـ كذلك لهما وجود في ذلك العالم ، وكأنه إليه أشير في حديث مولانا الصادق عليهالسلام : «فجزء مع الملائكة» (٢).
ولهما في ذلك العالم صور مختلفة ، حسب اختلاف الصفات النفسانية
__________________
(١) ـ أنظر : الفتوحات المكية : ١ : ٢٨١ و ٢٨٢.
(٢) ـ الخصال : ١ : ١٥٤ ، ح ١٩٢.