والهيئات ، وقد علمنا ضرورة أنا لم نصنعها ، ولا من هو من جنسنا ، وفي مثل حالنا صنعها ، وليس يجوز في عقل ، ولا يتصور في وهم أن يكون ما لم ينفكّ من الحوادث ولم يسبقها قديما ، ولا أن توجد هذه الأشياء على ما نشاهدها عليه من التدبير ، ونعاينه فيها من اختلاف التقدير ، لا من صانع ، أو تحدث لا بمدبّر.
ولو جاز أن يكون العالم بما فيه من اتقان الصنعة ، وتعلّق بعضه ببعض ، وحاجة بعضه إلى بعض ، لا بصانع صنعه ، ويحدث لا بموجد أوجده ، لكان ما هو دونه في الإحكام والإتقان أحق بالجواز ، وأولى بالتصوّر والإمكان ، وكان يجوز على هذا الوضع وجود كتابة لا كاتب لها ، ودار مبنية لا باني لها ، وصورة محكمة لا مصوّر لها ، ولا يمكن في القياس أن تأتلف سفينة على أحكم نظم ، وتجتمع على أتقن صنع ، لا بصانع صنعها ، أو جامع جمعها.
فلما كان ركوب هذا وإجازته خروجا عن النهاية ، والعقول ، كان الأوّل مثله ، بل غير ما ذكرناه من العالم ، أو ما فيه من ذكر أفلاكه ، واختلاف أوقاته ، وشمسه ، وقمره ، وطلوعهما ، وغروبهما ، ومجيء برده ، وقيظه ، في أوقاتهما ، واختلاف ثماره ، وتنوّع أشجاره، ومجيء ما يحتاج إليه منها في إبّانه ، ووقته ، أشدّ مكابرة ، وأوضح معاندة ، وهذا واضح بحمد الله.
قال : وسألت بعض أهل التوحيد والمعرفة عن الدليل على حدث الأجسام ، فقال : الدليل على حدث الأجسام أنها لا تخلو في وجودها من كون وجودها مضمّن بوجوده ، والكون هو المحاذاة في مكان دون مكان ، ومتى وجد الجسم في محاذاة دون محاذاة مع جواز وجوده في محاذاة أخرى ، علم أنه لم يكن في تلك المحاذاة المخصوصة إلّا لمعنى ، وذلك المعنى محدث ،