فالجسم ـ إذن ـ محدث ؛ إذ لا ينفك من المحدث ، ولا يتقدّمه (١).
فصل
قال تالس الملطي (٢) ـ وهو أوّل من تفلسف بالملطيّة ، بعدما قدم إليها من مصر ـ : إن للعالم مبدعا لا تدرك صفته العقول من جهة هويته ، وإنما يدرك من جهة آثاره وإبداعه ، وتكوينه الأشياء.
ثم قال : إن القول الّذي لا مردّ له هو أن المبدع كان ولا شيء مبدع ، فأبدع الذي أبدع ولا صورة له عنده في الذات ؛ لأنّ قبل الإبداع إنّما هو فقط ، وإذا كان هو فقط فليس يقال ـ حينئذ ـ جهة وجهة ، حتّى يكون هو وصورة ، أو حيث وحيث ، حتّى يكون هو ذو صورة ، والوحدة الخالصة تنافي هذين الوجهين ، والإبداع هو تأييس ما ليس بشيء ، وإذا كان هو مؤيّس الآيسات فالتأييس لا من شيء يتقادم ، فمؤيّس الأشياء لا يحتاج أن تكون عنده صورة الأيس بالأيسية.
قال : لكنه عنده العنصر الّذي فيه صور الموجودات ، والمعلومات كلّها ، فانبعثت منه كلّ صورة موجودة في العالم ، على المثال الّذي في العنصر الأوّل ،
__________________
(١) ـ التوحيد : ٢٩٨ ، مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ.
(٢) ـ هو مؤسّس المدرسة الأيونية ، ولد بين سنة «٦٣٩» وسنة «٦٣٦» قبل الميلاد ، وتوفّي سنة «٥٤٦» قبل الميلاد ، فعاش نحو قرن من الزمان ، ويقال : إنّه فينقي الأصل. لم يكتف طاليس بما تعلّمه من علم الفلك ، كما كانت عادة أبناء الأغنياء في ذلك العصر ، بل زعم أنّه اكتشف المادّة الّتي تبقى بالرغم ممّا ينتابها من التغيّرات، فقال : إنّ الماء مصدر الأشياء كلّها ، منه تكوّنت الموجودات ، وإليه تعود. أنظر : تاريخ الفلسفة ، حنّا أسعد فهمي : ٢٣ وما بعدها.