وإن قال : إنه ليس بأزليّ يستفسر الأزلي ، وعاد الترديد والمحذور المذكور.
وإن قال : الّذي في الذهن متناه ، يسلّم له أن القدر الّذي في ذهنه من أعداد الحركات متناه ، ولكن لا يلزم من ذلك توقّف وجود العالم على غير ذات الباري.
ثم إذا فرض له مجموع السبق الزماني ، فهو مع كونه تناقضا يخالف مدّعاه ؛ لاستدعائه وجود الزمان قبل العالم ، وهو من جملة العالم.
وإن أراد به السبق الذاتي ، فهو الحدوث الذاتي.
وإن قال : إن الباري تعالى مقدّم على العالم بحيث بينه وبين العالم زمان ، فليس هذا مذهبه ؛ إذ ليس قبل العالم شيء غير ذات الباري سبحانه.
فلم يبق له إلّا أن يقول : توقّف العالم على غير ذات الله ، ولم يكف في وجوده ذاته وصفاته ، وهو كما ترى شرك محض ، لا يتفوّه به مؤمن ، تعالى الله عما يشركون.
فصل
قال بعض الحكماء : ربما يقال لمن طلب مدّة العدم قبل وجود الحادث على سبيل التبصرة والتنبيه ، هل هذه المدّة محدودة مقدّرة بتقدير لا بدّ منه ، مثل يوم ، أو شهر ، أو سنة معينة ، أو يكفي فيها أي مدّة كانت؟ فإنه نقول ـ حينئذ ـ : بل يكفي في حدوث الحادث سبق أي مدّة كانت يتقدّم فيها العدم ، ويتبعه الوجود.
فيقال : وهل يكفي التصور والعقل في ذلك بسنة واحدة يتقدّم فيها العدم ،