وقد دريت أن الموجود منه في الخارج ليس إلّا الأمر المتّصل المستمر الذي يقال له : الآن السيّال ، فلا حقيقة للزمان سوى هذا الوجود الضعيف التدريجي الّذي يحدث آنا فآنا ، فليس لأجزائه اجتماع واتّصال أصلا ، لا في العين ، ولا في الذهن.
أما الأوّل ، فلأنّه ليس فيه إلّا هذا الأمر المتّصل الشخصي.
وأمّا الثاني ، فلاستحالة استحضار الذهن أزمنة وزمانيات متكثّرة غير متناهية ، وعلى تقدير استحضاره لا يكون مطابقا لما في العين ، فيكون ذهنا كاذبا.
وبهذا يظهر ضعف ما يقال في إثبات تناهي سلسلة الزمان ليثبت به حدوث العالم ، من جريان براهين التطبيق ، والتضايف ، ونظائرهما فيه ، قياسا له على المكان.
كيف ، والمكان مجتمع الأجزاء في الواقع ، وثابتها معا في نفس الأمر ، وأمّا الزمان فامتداده موهوم محض ، لا يصلح لأن يحكم عليه بالتناهي واللاتناهي ، أو بالحدوث والقدم أصلا؟
ومن هنا قال بعض العرفاء : إن أهل النظر إذا فحصوا عن هذا العالم فلم يجز لهم أن يطلبوا له بدوا زمانيا ، وإلّا لتأدّى بهم الطلب إلى الوسواس ، بل يجب لهم أن يأخذوا الزمان جزء من أجزاء العالم ، كما فعله الإلهيون ، حيث أخذوا العالم بما فيه ومعه جملة واحدة ، كأنها شخص واحد ، فبحثوا عن علّة بدوه.
ولصاحب الفتوحات في هذا المقام كلام متين ، لا بأس بإيراده ، قال في الباب الثاني من الفتوحات : إنّ الحقائق أعطت لمن وقف عليها أن لا يتقيّد وجود الحقّ مع وجود العالم ، بقبلية ، ولا معية ، ولا بعدية ، فإنّ التقدّم الزماني