يبتدىء المكان من تحريكها ، أو حركتها في الجسم ، والنفس سابقة على الزمان والزمانيات ، ولا يعتورها الزمان ، بل الزمان والدهر يبتدىء منها ، أعني من شوقها إلى كمال العقل ، والعقل سابق على الذوات والذاتيات ، ولا تعتوره الذات ، والجوهرية إنّما تبتدىء منه ، أعني هو مبدأ الجوهر ، والأمر سابق على الذوات والجواهر ، والدهر ، والزمان ، والمكان ، والجسم ، والمادّة ، والصورة ، لا توصف بشيء ممّا تحته إلّا بالمجاز ، ومن له الخلق والأمر فله الملك والملك ، وهو الأوّل والآخر حتّى يعلم أنه ليس بزماني ، وهو الظاهر والباطن حتّى يعلم أنه ليس بمكاني ، جلّ جلاله ، وتقدّست أسماؤه.
ونعني بالأمر : القوّة الإلهية.
فصل
قد ظهر ممّا ذكرنا أنه لا مدخل لتناهي سلسلة الزمان ، ولا تناهيها في حدوث العالم أصلا.
وممّا يدلّ على ذلك ـ أيضا ـ ما أشرنا إليه ، وتقرّر في مقرّه : أن تقدّم الباري سبحانه على العالم ليس تقدّما زمانيا ، ولا هو سبحانه واقع في طرف هذه السلسلة أصلا ، بل هو خارج عنها ، نسبته إلى جميع أجزائها نسبة واحدة ، وأن مجموع العالم ـ بما هو مجموع ـ لا زمان له ، كما أنه لا مكان له ، فإنه إذا كان كذلك فلا معنى للحدوث الزماني للعالم بمجموعه ، بل إنّما تتّصف بالحدوث الزماني أجزاء العالم من الأجسام والجسمانيات المقيّدة بهذه السلسلة ، والزمان تابع لها ؛ لأنّه عرض قائم بمحلّ جرمي ، كما دريت.