هكذا أعطت الحقائق (١).
وله كلام آخر دقيق في سرّ الأزل ، وسرّ الأبد ، نرى أن نذكره هاهنا بألفاظه ، لعلّك تستفيد منه معنى حدوث العالم ، كما هو ، وإن كان الموضع الأنسب به مباحث المبدأ ، لكن لمّا كان له كثير فائدة فيما نحن فيه أخّرناه إلى هاهنا ، فاسمع ، وتدبّره ، إن كنت من أهله ، وبالله التوفيق.
فصل
قال قدسسره في الباب السادس والعشرين من الفتوحات : فأمّا علم سرّ الأزل ، فاعلم أن الأزل عبارة عن نفي الأولية ، لمن (٢) يوصف به وهو وصف الله تعالى ، من حيث كونه إلها ، فهو المسمى بكلّ اسم سمّى به نفسه أزلا ، فهو العالم ، الحيّ ، المريد ، القادر ، السميع ، البصير ، الخالق ، البارىء ، المصوّر ، الملك ، لم يزل مسمى بهذه الأسماء ، وانتفت عنه أوّلية التقيّد ، فسمع المسموع ، وأبصر المبصر ، إلى غير ذلك.
وأعيان المسموعات منّا ، والمبصرات ، معدومة غير موجودة ، وهو يراها أزلا ، كما يعلمها أزلا ، ولا عين لها في الوجود النفسي العيني ، بل هي أعيان ثابتة في رتبة الإمكان ، والإمكانية لها أزلا ، كما هي لها حالا وأبدا ، لم تكن واجبة لنفسها ، ثمّ عادت ممكنة ، ولا محالا ، ثمّ عادت ممكنة ، بل كما كان وجوب الوجود الذاتي لله تعالى أزلا ، كذلك وجوب الإمكان للعالم أزلا ، فالله في مرتبته بأسمائه الحسنى يسمى معرّفا ، موصوفا بها ، فمعنى نسبة الأوّل له نسبة الآخر ،
__________________
(١) ـ الفتوحات المكية : ١ : ٩٠ ، مع اختلاف يسير.
(٢) ـ في المخطوطة : بأن.