والظاهر ، والباطن ، ولا يقال : هو أوّل بنسبة كذا ، ولا آخر بنسبة كذا ، فإنّ الممكن مرتبط بواجب الوجود ـ في وجوده وعدمه ـ ارتباط افتقار إليه في وجوده ، فإن أوجده لم يزل في إمكانه ، وإن عدم لم يزل عن إمكانه ، فكما لم تدخل على الممكن في وجود عينه بعد أن كان معدوما صفة تزيله عن إمكانه ، كذلك لم يدخل على الخالق الواجب الوجود في إيجاده العالم وصف يزيله عن وجوب وجوده لنفسه ، فلا يعقل الحقّ إلّا هكذا ، ولا يعقل الممكن إلّا هكذا.
فإن فهمت علمت معنى الحدوث ، ومعنى القدم ، فقل بعد ذلك ما شئت.
فأوّلية العالم وآخريته أمر إضافي. فالأول من العالم بالنسبة إلى ما يخلق بعده ، والآخر من العالم بالنسبة إلى ما خلق قبله ، وليس كذلك معقولية اسم الله بالأول والآخر ، والظاهر والباطن ، فإنّ العالم يتعدّد ، والحقّ واحد لا يتعدد ، ولا يصحّ أن يكون أوّلا لنا ، فإنّ رتبته لا تناسب رتبتنا ، ولا تقبل رتبتنا أوّليته ، ولو قبلت رتبتنا أوّليته لاستحال علينا اسم الأوّلية ، بل كان يطلق علينا اسم الآخرية لأوليته ، ولسنا بثان له ، تعالى عن ذلك ، فليس هو بأول لنا.
فلهذا كان عين أوّليته عين آخريته ، وهذا المدرك عزيز المنال ، يتعذّر تصوّره على من لا أنسة له بالعلوم الإلهية الّتي يعطيها التجلّي والنظر الصحيح ، وإليه كان يشير أبو سعيد الخرّاز (١) بقوله : عرفت الله بجمعه بين الضدّين ، ثمّ يتلو
__________________
(١) ـ هو : أحمد بن عيسى الخرّاز ، أبو سعيد ، من مشايخ الصوفية ، بغداديّ. نسبة إلى خيرز الجلود. قيل : إنّه أوّل من تكلّم في علم الفناء والبقاء ، له تصانيف في علوم القوم ، منها : كتاب الصدق ، أوّل الطريق إلى الله. ومن كلامه : إذا بكت أعين الخائفين ، فقد كاتبوا الله بدموعهم. توفّي «٢٤٧» أو «٢٩٧» أو «٢٨٦» ه.
أنظر ترجمته في : الأعلام : ١ : ١٩١ ، وتاريخ مدينة دمشق : ج ٥ : ١٢٩ ، وهدية العارفين : ١ : ٥٥).