شيئا فشيئا ، على التتالي ، وتصل إليها وصولا بعد وصول ، وتحصل لذاتها منها حصولا بعد حصول على التدريج ؛ إذ لكلّ صورة عقلية شؤون وجهات ، ووجوه ، وحيثيّات ، لا يحيط به إلّا الله عزوجل.
وأمّا بحسب وجودها العقلي فهي واصلة إليها ، متّحدة بها اتّحاد ذي الغاية بغايتها عند الوصول.
وأمّا تلك الصور العقليات والعلوم الإلهيات ، فهي أبدا ملتحقة بفاعلها ، وغايتها ملاحظة لجمال بارئها ومبدعها ، لم ترجع عنه إلى ذواتها طرفة عين ؛ لأن الإمكان هنالك لا يفارق الفعلية ، والقصور لا يباين التمام ، فهي أبدا مستهلكة الذوات في ذات الحبيب الأوّل ، لا فرق بينهم وبين حبيبهم ، كما ورد في الخبر ، فلا مجال لهم في الأنانية ، والغيرية.
وقد دريت التركيب الاتّحادي بين المادّة والصورة الجسمية ، وكذا بينهما وبين الطبيعة ، فالكلّ واصلة إلى مبدئها ، وكذا النفوس ؛ لأنّ النفس إمّا عقل ، وإمّا طبيعة ، وكلّ نفس وقعت على الصراط المستقيم الإنساني ، فإنّها تمرّ على جميع الكائنات ، وتصادف سائر الموجودات ، حتّى تصل إلى الله سبحانه ؛ إذ لها قوّة الانتقال من حال إلى حال أعلى.
فالعناصر تنقلب جمادا ، والجماد ينقلب نباتا ، والنبات يسلك حيوانا ، والحيوان يصير إنسانا ، والإنسان يصير ملكا (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) (١) ، كما مضى بيانه مفصّلا.
__________________
(١) ـ سورة الانشقاق ، الآية ٩.