الْمَأْوى * وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) (١).
جعلنا الله وإخواننا ممّن خاف ربّه ، ونهى النفس عن الهوى ، وجعل الجنّة لنا المأوى.
فصل
قد ظهر ممّا بيّنّاه وأوضحناه : أنّ لكلّ حركة غاية ، ولغايته غاية أخرى ، وهكذا إلى أن ينتهي إلى غاية عقلية. ولكلّ ناقص عشق ومعشوق غريزيّان ، إلى ما فوقه ، أودعهما الله في ذاته ليحفظ بالأوّل كماله الأوّل ، ويطلب بالثاني كماله الثاني ، لينتظم العالم بطلب السافل للعالي ، ورشح العالي على السافل ، كما قال عزوجل : (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٢).
فالحركات كلّها منتهية إلى الخير الأقصى ، والربّ الأعلى ، غاية الأرض والسماء ، الّذي بيده ملكوت الأشياء ، ما من دابّة إلّا هو آخذ بناصيتها ، إنّ ربّي على صراط مستقيم.
وظهر أيضا من ذلك أنّ الغرض الأقصى في بناء العالم ، وإدارة الأفلاك ، وتسيير الكواكب ، وبعث الأنبياء والرسل ، وإنزال الملائكة من السماء ، بالوحي والإنباء ، هو أن يصير العالم كله خيرا ، فيزول منه الشرّ والنقص ، ويعود إلى ما بدأ منه ، فيصير لاحقا به ، فتتمّ الحكمة ، وتكمل الخلقة ، ويرتفع عالم الكون والفساد ،
__________________
(١) ـ سورة النازعات ، الآية ٣٧ ـ ٤١.
(٢) ـ سورة طه ، الآية ٥٠.