وعن النبي صلىاللهعليهوآله : «إنّ الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة ، فجعل في الأرض منها رحمة ، منها تعطف الوالدة على ولدها ، والبهائم بعضها على بعض ، والطير(١) ، وأخّر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة ، أكملها بهذه الرحمة مائة» (٢).
فصل
قيل : إنّ أصل اللذّات والأنوار والروائح البهيّة ، والأشياء الفاضلة كلّها ، الموجودة في الطبيعة ، إنّما هي من إفاضة النفس عليها بإذن الله ، غير أن الطبيعة قد شوّشتها ، وكدّرتها لممازجتها ، واختلطت بها ؛ إذ كانت دونها في الرتبة ، وغير لاحقة بها من جهة دثورها ، وفنائها ، فسمّيت تلك الشوائب المكدّرة شرّا ، ووبالا ؛ لمّا كانت معوّقة للخيرات ، وحصلت من ذلك الأشياء المتضادّة المتخالفة من المحن والبلايا ، والأمور العارضة المنغّصة للعيش ، المكدّرة للحياة ، ممّا هو موجود في عالم الكون والفساد ، وكلّ كمال ولذّة في هذا العالم ففي عالم آخر على وجه أعلى ، وأتمّ ، وأبهى ، وألذّ ، وأصفى.
ولمّا ثبت أن كلّ شيء يعود إلى أصله ، وكلّ ناقص يتوجّه إلى كماله ، فكلّ سعيد ينقلب إلى أهله مسرورا ، وكلّ شقي يتعذّب مدّة بشقائه ، ويتعب محترقا بناره ، وتتبدّل عليه جلوده نضجا بعد نضج ، حتّى يصل إلى النعيم ، أو يصل إلى مقرّه في الجحيم ، (فَأَمَّا مَنْ طَغى * وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ
__________________
(١) ـ في المصدر : والطير كذلك.
(٢) ـ روضة الواعظين : ٢ : ٥٠٢.