يذاب الذهب والفضة بالنار لأجل الخلاص ممّا يكدّره ، وينقص عياره ، فهو متضمّن لعين اللطف والرحمة ، كما قيل ، وتعذيبكم عذب ، وسخطكم رضى ، وقطعكم وصل ، وجوركم عدل (١).
وقال صاحب الفتوحات : وقد وجدنا في نفوسنا ممّن جبل على رحمة لو حكّمه الله في خلقه لأزال صفة العذاب عن العالم ، والله قد أعطاه هذه الصفة ، ومعطي الكمال أحقّ به ، وصاحب هذه أنا وأمثالي ، ونحن عباد مخلوقون ، أصحاب أهواء وأغراض ، ولا شكّ أنه أرحم بخلقه منّا ، وقد قال عن نفسه جلّ علاؤه : (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (٢) ، ونحن عرفنا من نفوسنا هذه المبالغة في الرحمة (٣).
وقال أستاذنا ـ دام ظلّه ـ : قد قام الدليل العقلي على أنّ الباري لا تنفعه الطاعات ، ولا تضرّه المخالفات ، وإنّ كلّ شيء جار بقضائه ، وقدره ، وإنّ الخلق مجبورون في اختيارهم ، فكيف يسرمد العذاب عليهم؟
وجاء في الحديث : «وآخر من يشفع هو أرحم الراحمين» (٤).
فالآيات الواردة في حقّهم ، بالتعذيب ، كلّها حقّ وصدق ، وكلام هؤلاء الأكابر لا ينافيها ؛ لأنّ كون الشيء عذابا من وجه ، لا ينافي كونه رحمة من وجه آخر. انتهى (٥).
__________________
(١) ـ أنظر : شرح فصوص الحكم ، للقيصري : ٧٢٦.
(٢) ـ سورة يوسف ، الآية ٦٤.
(٣) ـ أنظر : الفتوحات المكية : ٣ : ٢٥.
(٤) ـ لم نعثر على مصدره.
(٥) ـ الأسفار الأربعة : ٩ : ٣٥٣.