وصل
وليعلم أنّ بين نعيم أهل الجنّة ، ونعيم أهل النار ، عند إفاضة الرحمة عليهم ، بونا بعيدا ، فإنّ نعيم أهل النار من رحمة أرحم الراحمين ، لحدوثه بعد الغضب والعذاب ، ونعيم أهل الجنّة من حضرة الرحمن الرحيم ، والامتنان الجسيم.
والأوّل كالقشر للثاني ؛ لكثافة ذلك ، ولطافة هذا ، كالتبن والنخالة للحمار والبقر ، ولباب البرّ للإنسان ، والبشر ، والقشر إنّما هو لصيانة اللبّ وحفظه ، فكذا أهل النار محامل يتحملون المشاق لعمارة العالم ، وأهل الجنة مظاهر يحقّقون المعارف والحقائق لعمارة الآخرة ، فيحفظونهم عن الشدائد ، ويفرغونهم لملازمة المعابد ، فعمرت الداران ، وسبقت الرحمة الغضب ، ووسعت كلّ شيء جهنم ، ومن فيها.
وصل
قال القيصري (١) : اعلم أنّ من اكتحلت عينه بنور الحقّ يعلم أن العالم بأسره عباد الله ، وليس لهم وجود وصفة ، وفعل ، إلّا بالله ، وحوله وقوّته ، وكلّهم محتاجون إلى رحمته ، وهو الرحمن الرحيم.
ومن شأن من هو موصوف بهذه الصفات أن لا يعذّب أحدا عذابا أبديا ، وليس ذلك المقدار من العذاب إلّا لأجل إيصالهم إلى كمالاتهم المقدّرة ، كما
__________________
(١) ـ تقدّمت ترجمته في هذا الكتاب ص؟؟؟؟.