والحشرات ، ولا يحيى حياة السعداء والعقلاء ، يعني يكون حيّا بحياة أخرى نازلة دنيّة (١).
وصل
وممّا استدل به على ذلك في الفتوحات ، قوله تعالى : (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢) ، وما ورد في الحديث النبوي : «لم يبق في النار إلّا أهلها» (٣) الّذين هم أهلها ؛ وذلك لأنّ أشدّ العذاب على أحد مفارقة وطنه الّذي ألفه ، فلو فارق النار أهلها لتعذّبوا باغترابهم عما أهلّوا له ، وأنّ الله قد خلقهم على نشأة تألف ذلك الموطن (٤).
واستدلّ أستاذنا ، بقوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) الآية (٥) ، فإنّ المخلوق الّذي غاية وجوده أن يدخل في جهنّم بحسب الوضع الإلهي ، والقضاء الربّاني لا بدّ أن يكون ذلك الدخول موافقا لطبعه ، وكمالا لوجوده ؛ إذ الغايات ـ كما مرّ ـ كمالات للوجود ، وكمال الشيء موافق له ، لا يكون عذابا في حقّه ، وإنما يكون عذابا في حقّ غيره ممّن خلق للدرجات العالية (٦).
__________________
(١) ـ أنظر : الأسفار الأربعة : ٩ : ٣٥١ و ٣٥٢.
(٢) ـ سورة البقرة ، الآية ٣٩.
(٣) ـ لم نعثر على مصدره ، ولكن قال في الفتوحات : ورد في الصحيح : ويدخلهم الجنّة إذ لم يكونوا من أهل النار الّذين هم أهلها ، ولم يبق في النار إلّا أهلها الّذين هم أهلها». أنظر : الفتوحات المكّية : ٣ : ٢٥.
(٤) ـ أنظر الأسفار : ٩ : ٣٥٢.
(٥) ـ سورة الأعراف ، الآية ١٧٩.
(٦) ـ الأسفار الأربعة : ٩ : ٣٥٢.