وصل
ويعرف من بعد الشمس الأوسط بعداها الآخران ، فإنّ تباعدها عنه فيهما بقدر ما بين مركزيها ، ولما لم يكن بين أفلاك الكواكب خلاء ، ولا جرم معلوم ، غير أفلاكها ، جعل البعد الأبعد لكلّ كوكب البعد الأقرب للكوكب الّذي فوقه ، لتكون الأبعاد المأخوذة هي الّتي لا يمكن أن تكون أقل منها ، فيكون البعد الأقرب للشمس البعد الأبعد للزهرة ، وبتفاوت ما بين مركزيه يعرف بعداه الآخران.
وعلى هذا القياس أبعاد عطارد ، مع أن بعده الأقرب بهذا الحساب موافق لبعد القمر الأبعد بالحساب الأوّل ، ولما وجد بين فلكي النيّرين بعد ، حكم بأن فلكي السفليين بينهما؛ إذ لا وجه لتعطيل البعد بين الأفلاك.
وبمثل هذا من أخذ تفاوت ما بين المركزين بالحساب تعرف أبعاد الكواكب الأخر.
وأمّا أجرامها فتؤخذ أقطارها الحسّية في أبعادها الأواسط بالرصد ، وتنسب إلى قطر الشمس في بعدها الأوسط ، ونسبة البعد إلى البعد كنسبة القطر إلى القطر ، على القياس السابق ، وبتكعيب القطر يعرف مقدار الجرم ، كما مرّ ، ولم يلتفتوا في معرفة الأبعاد إلى أنصاف أقطار الكواكب ، ولا إلى ما ليس له قدر معلوم عندنا ، كثخن جوزهر القمر ، إلى غير ذلك من المساهلات ؛ لخروج معرفة ذلك عن وسعهم ، وكون التدقيق في مثله تطويلا من غير طائل ؛ ولهذا صار أكثر هذه الأحكام تقريبية.