وأما الملك فلا يكثر الخروج من الخلية إلا نادرا ، إذا اشتهى التنزه ، فيخرج ومعه أمراء النحل والخدم ، فيطوف في المروج والرياض والبساتين ساعة من النهار ، ثم يعود إلى مكانه. ومن عجيب أمره أنه ربما لحقه أذى من النحل أو من صاحب الخلية أو من خدمه ، فيغضب ويخرج من الخلية ، ويتباعد عنها ، ويتبعه جميع النحل ، وتبقى الخلية خالية ، فإذا رأى صاحبها ذلك ، وخاف أن يأخذ النحل ، ويذهب بها إلى مكان آخر ، احتال لاسترجاعه ، وطلب رضاه ، فيتعرف موضعه الذي صار إليه بالنحل ، فيعرفه باجتماع النحل إليه ، فإنها لا تفارقه ، وتجتمع عليه حتى تصير عليه عنقودا ، وهو إذا خرج غضبا جلس على مكان مرتفع من الشجرة ، وطافت به النحل ، وانضمت إليه حتى يصير كالكرة ، فيأخذ صاحب النحل رمحا أو قصبة طويلة ، ويشد على رأسه حزمة من النبات الطيب الرائحة العطر النظيف ، ويدنيه إلى محل الملك ، ويكون معه إما مزهر أو يراع أو شيء من آلات الطرب ، فيحركه ، وقد أدنى إليه ذلك الحشيش ، فلا يزال كذلك إلى أن يرضى الملك ، فإذا رضي وزال غضبه ، طفر ووقع على الضّغث (١) ، وتبعه خدمه وسائر النحل ، فيحمله صاحبه إلى الخلية ، فينزل ، ويدخلها هو وجنوده.
ولا يقع النحل على جيفة ولا حيوان ولا طعام. ومن عجيب أمرها أنها تقتل الملوك الظّلمة المفسدة ، ولا تدين لطاعتها.
والنحل الصغار المجتمعة الخلق هي العسّالة ، وهي تحاول مقاتلة الطوال القليلة النفع وإخراجها ونفيها عن الخلايا ، وإذا فعلت ذلك ، جاد العسل ، وتجتهد أن تقتل ما تريد قتله خارج الخلية صيانة للخلية عن جيفته. ومنها
__________________
(١) الضغث : الحزمة من النبات.