خطابها بالنداء الذي يسمعه من خاطبته ، ثم أتت بالاسم المبهم ، ثم أتبعته بما يثبته من اسم الجنس إرادة للعموم ، ثم أمرتهم بأن يدخلوا مساكنهم ، فيتحصنون من العسكر ، ثم أخبرت عن سبب هذا الدخول ، وهو خشية أن يصيبهم معرة (١) الجيش ، فيحطمهم سليمان وجنوده ، ثم اعتذرت عن نبيّ الله وجنوده ، بأنهم لا يشعرون بذلك ، وهذا من أعجب الهداية.
وتأمل كيف عظم الله سبحانه شأن النمل بقوله : (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧)) [النمل] ثم قال : (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ (١٨)) [النمل] فأخبر أنهم بأجمعهم مروا على ذلك الوادي ، ودل على أن ذلك الوادي معروف بالنمل ، كوادي السباع ونحوه ، ثم أخبر بما دل على شدة فطنة هذه النملة ودقة معرفتها حيث أمرتهم أن يدخلوا مساكنهم المختصة بهم ، فقد عرفت هي والنمل أنّ لكل طائفة منها مسكنا ، لا يدخل عليهم فيه سواهم ، ثم قالت : لا يحطمنّكم سليمان وجنوده ، فجمعت بين اسمه وعينه ، وعرّفته بهما ، وعرّفت جنوده وقائدها ، ثم قالت : وهم لا يشعرون ، فكأنها جمعت بين الاعتذار عن مضرة الجيش بكونهم لا يشعرون وبين لوم أمة النمل حيث لم يأخذوا حذرهم ، ويدخلوا مساكنهم ، ولذلك تبسّم نبيّ الله ضاحكا من قولها ، وإنه لموضع تعجب وتبسم.
وقد روى الزهري عن عبيد (٢) الله بن عبد الله بن عتبة (٣) ، عن ابن عباس أن : رسول الله صلىاللهعليهوسلم «نهى عن قتل النمل والنحلة والهدهد والصّرد» (٤).
__________________
(١) معرّة : إثم (المقصود : الأذى).
(٢) تحرفت في المطبوع إلى : «عبد».
(٣) تحرفت في المطبوع إلى : «عيينة».
(٤) صحيح. رواه أحمد (١ / ٣٣٢ ، ٣٤٧) ، وأبو داود (٢٥٦٧) ، وابن ماجة (٣٢٢٤) عن ابن عباس.