وقال تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً (٥٧)) [الكهف].
وقال تعالى : (وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ (٣٧)) [غافر] قرأها الكوفيون ، وصدّ بضم الصاد حملا على زيّن ، وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨)) [غافر] وقال : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨)) [البقرة].
ومعلوم أنه لم ينف هدى البيان والدلالة الذي تقوم به الحجة ، فإنه حجته على عباده.
والقدرية تردّ هذا كله إلى المتشابه ، وتجعله من متشابه القرآن ، وتتأوّله على غير تأويله ، بل تتأوله بما يقطع ببطلانه ، وعدم إرادة المتكلم له ، كقول بعضهم : المراد من ذلك تسمية الله العبد مهتديا وضالا ، فجعلوا هداه وإضلاله مجرد تسمية العبد بذلك ، وهذا مما يعلم قطعا أنه لا يصحّ حمل هذه الآيات عليه ، وأنت إذا تأملتها ، وجدتها لا تحتمل ما ذكروه البتة ، وليس في لغة أمة من الأمم ، فضلا عن أفصح اللغات وأكملها ، هداه : بمعنى سماه مهتديا ، وأضلّه : سماه ضالا. وهل يصح أن يقال : علمه ، إذا سماه عالما ، وفهمه ، إذا سماه فهما؟! وكيف يصح هذا في مثل قوله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ (٢٧٢)) [البقرة].
فهل فهم أحد غير القدرية المحرّفة للقرآن من هذا ، ليس عليك تسميتهم مهتدين ، ولكن الله يسمي من يشاء مهتديا؟ وهل فهم أحد قط من قوله تعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ (٥٦)) [القصص] لا تسميه مهتديا ، ولكن الله يسميه بهذا الاسم ، وهل فهم أحد من قول الداعي (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)) [الفاتحة] وقوله : اللهم اهدني من عندك ، ونحوه ، اللهم سمني مهتديا؟!