إثباته مع إثبات الأسباب والحكم والقوى والعلل ، فنفوها.
وبين الطائفتين بعد المشرقين ، ولا تستهن بأمر هذه المسألة فإن شأنها أعظم ، وخطرها أجلّ ، وفروعها كثيرة ، ومن فروعها أنهم لما تكلموا فيما يحدثه الله تعالى من المطر والنبات والحيوان والحرّ والبرد والليل والنهار والإهلال والإبدار والكسوف والاستسرار وحوادث الجو وحوادث الأرض ، انقسموا قسمين ، وصاروا طائفتين ، فطائفة جعلت الموجب لذلك مجرد ما رأوه علّة وسببا ، من الحركات الفلكية والقوى الطبيعية والنفوس والعقول ، فليس عندهم لذلك فاعل مختار مريد.
وقابلهم طائفة من المتكلمين ، فلم يسبّبوا لذلك سببا إلا مجرد المشيئة والقدرة ، وأن الفاعل المختار يرجّح مثلا على مثل بلا مرجّح ولا سبب ولا حكمة ولا غاية يفعل لأجلها ، ونفوا الأسباب والقوى والطبائع والقرائن والحكم والغايات ، حتى يقول من أثبت الجوهر الفرد منهم : إنّ الفلك والرحا ونحوهما ، مما يدور ، متفكك دائما عند الدوران. والقادر المختار يعيده كل وقت كما كان ، وإن الألوان والمقادير والأشكال والصفات تعدم على تعاقب الآنات ، والقادر المختار يعيدها كل وقت ، وإنّ ملوحة ماء البحر كل لحظة تعدم وتذهب ، ويعيدها القادر المختار ، كل ذلك بلا سبب ولا حكمة ولا علة غائية ، ورأوا أنهم لا يمكنهم التخلص من قول الفلاسفة أعداء الرسل إلا بذلك ، ورأى أعداء الرسل أنهم لا يمكنهم الدخول في الشريعة إلا بالتزام أصول هؤلاء ، ولم يهتد الطائفتان للحق الذي لا يجوز غيره وهو أنه سبحانه يفعل بمشيئته وقدرته وإرادته ، ويفعل ما يفعله بأسباب وحكم وغايات محمودة ، وقد أودع العالم من القوى والطبائع والغرائز والأسباب والمسببات ما به قام الخلق والأمر ، وهذا قول جمهور أهل الإسلام وأكثر طوائف النّظّار ، وهو قول الفقهاء