ما يختص به أحدهما ليس مرادا لذاته ، وكذلك ما يختص به الآخر. والموجود في الخارج إنما هو الذات المختصة ، لا الكلي المشترك (١) ، تعلق الثالثة بالقدر المشترك لم يكن للخلف في الخارج إله ، ولكان إلههم أمرا ذهنيا ، وجوده في الأذهان لا في الأعيان ، وهذا هو الذي يألهه طوائف أهل الوحدة والجهمية الذين أنكروا أن يكون الله تعالى لا خارج العالم ولا داخله ، فإن هذا إنما هو إله مفروض ، يفرضه الذهن كما يفرض سائر الممتنعات الخارجة ، وتظنّه واجب الوجود ، وليس هو ممكن الوجود فضلا عن وجوبه ، وبهذا يتبين أنّ الجهمية وإخوانهم من القائلين بوحدة الوجود ليس لهم إله معين في الخارج ، يألهونه ويعبدونه ، بل هؤلاء ألّهوا الوجود المطلق الكلي ، وأولئك ألّهوا المعدوم الممتنع وجوده ، وأتباع الأنبياء إلههم الله الذي لا إله إلا هو ، الذي خلق الأرض والسموات العلى ، الرحمن على العرش استوى ، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ، وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السرّ وأخفى ، الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ، هو الذي فطر القلوب على محبته والإقرار به وإجلاله وتعظيمه وإثبات صفات الكمال له وتنزيهه عن صفات النقائص والعيوب ، وعلى أنه فوق سماواته بائن من خلقه ، تصعد إليه أعمالهم على تعاقب الأوقات ، وترفع إليه أيديهم عند الرغبات ، يخافونه من فوقهم ، ويرجون رحمته ، تنزل إليهم من عنده ، فهممهم صاعدة إلى عرشه ، تطلب فوقه إلها عليّا عظيما ، قد استوى على عرشه ، واستولى على خلقه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ، ثم يعرض إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ، ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم.
__________________
(١) بياض بأصله.