سبق في علمه أنه ضال قبل أن يخلقه. وكذلك ذكر البغوي وأبو الفرج بن الجوزي قال : على علمه السابق فيه أنه لا يهتدي.
وذكر طائفة منهم المهدوي وغيره قولين في الآية ، وهذا أحدهما ، قال المهدوي : فأضله الله على علم علمه منه بأنه لا يستحقه. قال : وقيل : على علم من عابد الصنم أنه لا ينفع ولا يضر ، وعلى الأول يكون «على علم» حال من الفاعل ، المعنى : أضله الله عالما بأنه من أهل الضلال في سابق علمه ، وعلى الثاني حال من المفعول ، أي : أضله الله في حال علم الكافر بأنه ضال.
قلت : وعلى الوجه الأول ، فالمعنى : أضله الله عالما به وبأقواله وما يناسبه ويليق به ، ولا يصلح له غيره قبل خلقه وبعده ، وأنه أهل للضلال ، وليس أهلا أن يهدى ، وأنه لو هدى لكان قد وضع الهدى في غير محله وعند من لا يستحقه ، والرب تعالى حكيم ، إنما يضع الأشياء في محالّها اللائقة بها ، فانتظمت الآية على هذا القول في إثبات القدر والحكمة التي لأجلها قدّر عليه الضلال ، وذكر العلم إذ هو الكاشف المبيّن لحقائق الأمور ، ووضع الشيء في مواضعه ، وإعطاء الخير من يستحقه ومنعه من لا يستحقه ، فإن هذا لا يحصل بدون العلم ، فهو سبحانه أضله على علمه بأحواله التي تناسب ضلاله وتقتضيه وتستدعيه ، وهو سبحانه كثيرا ما يذكر ذلك مع إخباره بأنه أضل الكافر كما قال : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (١٢٥)) [الأنعام].
وقال تعالى : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧)) [البقرة].