بطلان وجوه الجمع في مسألة أوّل من أسلم
أعلم أن العامّة كعادتهم عند ما يقفون على كثرة الروايات التي تثبت الفضائل لأمير المؤمنين ـ وبعد عجزهم عن تحريفها أو انكارها ثمّ ايجاد البديل في خلفائهم ـ يحاولون تأويل الأحاديث ممّا يتناسب مع مذهبهم من تأخير فضل أمير المؤمنين على خلفائهم الثلاثة ، أو لا أقل الأوّل والثاني.
فقاموا بجعل بعض وجوه للجمع في مسألة أوّل من أسلم.
فقالوا : إن أبا بكر أوّل من أسلم من الرجال وعليّ أوّل من أسلم من الصبيان.
فعن سعيد بن عبد العزيز ، قال : ما جاءنا أبو حنيفة بشيء أعجب إلينا من هذا قال : إن أوّل من آمن من النساء خديجة وأوّل من أسلم من الرجال أبو بكر وأوّل من أسلم من الغلمان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه (١).
والقائلون بهذه المقولة ممّا لا شك فيه أنّهم يقصدون ردّ فضيلة أمير المؤمنين في كونه أوّل من أسلم، بل لعلّه بغضا منهم لما فعل بأجدادهم.
* قال المسعودي في الرد عليهم : (وهذا قول من قصد الى ازالة فضائله ودفع مناقبه ليجعل إسلامه إسلام طفل صغير وصبي غرير ، لا يفرّق بين الفضل والنقصان ، ولا يميّز بين الشك واليقين ، ولا يعرف حقا فيطلبه ولا باطلا فيجتنبه) (٢).
ويبطل هذا النحو من الجمع أمور :
الأوّل : ما تقدّم في كثير من الروايات أن عليّ أوّل من أسلم من الرجال أو من الصحابة ، كرواية حبّة وابن عباس (٣). وهذا لا يدع للجمع مجالا ، إلّا بناء على أن أبا بكر ليس من الرجال أو ليس من الصحابة!!.
الثاني : أن الروايات المتقدّمة ليست تحت عنوان واحد وهو ـ أوّل من أسلم ـ فحتى لو صحّ الجمع المذكور في أوّل من أسلم ، فما ذا نفسّر كون أمير المؤمنين أوّل من صلّى ، وأوّل من عبد الله ، وأوّل من آمن ، وأوّل من صدّق النبيّ ، وأوّل من اتّبعه ، وكلّ ذلك يأتي من طرق كثيرة متواترة؟!
فهذه العناوين لم ترد في حق أبي بكر ، فغاية ما روي وقيل أنّه أوّل من أسلم ، ولم يدع أحد إنّه أوّل من صلّى وعبد الله ، ولا حتى رواية واحدة ، وهذا أكبر دليل على تحريف روايات إسلامه.
الثالث : التصريح في أغلب الروايات أن أمير المؤمنين أسلم بعد البلوغ : فروى إنّه أسلم وعمره عشرون
__________________
(١) الذرية الطاهرة : ٦١ ح ٢٩ ، ولوامع الانوار البهية للسفريني : ٢ / ٣١٢ تفضيل الصديق.
(٢) الاشراف والتنبيه : ١٩٨ ذكر التاريخ من مولد الرسول ص).
(٣) راجع اضافة لما تقدّم ـ شرح النهج : ١٣ / ٢٢٨ و ٢٢٤ خطبة ٢٣٨ ، وترجمة عليّ من تاريخ دمشق : ١ / ٧٦ ح ١٠٢.