رأيت ربك؟
فقال : «ويلك يا دعلب لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره».
فقال : كيف رأيته؟ صفه لنا.
قال : «ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، ويلك يا دعلب إنّ ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون ، ولا بقيام قيام انتصاب ، ولا بجيئة وذهاب لطيف اللطافة ولا يوصف باللطف ، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم كبير الكبر أمّا لا يوصف بالكبر ، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ رءوف الرحمة لا يوصف بالرقة ، مؤمن لا بعبادة ، مدرك لا بمجسة ، قائل لا بلفظ ، هو في الاشياء على غير ممازجة ، خارج عنها على غير مباينة ، فوق كل شيء ولا يقال له شيء فوقه ، أمام كل شيء ولا يقال له أمام ، دخل في الأشياء لا كشيء في شيء داخل ، وخارج منها لا كشيء خارج».
فخر دعلب مغشيا عليه ، ثمّ قال : تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب ، والله لا عدت إلى مثلها أبدا.
ثمّ قال عليهالسلام : «سلوني قبل أن تفقدوني» فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكئا على عكازة فلم يتخطّ الناس حتّى دنا منه فقال : يا أمير المؤمنين دلّني على عمل إذا أنا عملته نجاني الله من النار ، فقال له : «اسمع يا هذا ثمّ افهم ثمّ استيقن ، قامت الدنيا بثلاثة : بعالم ناطق مستعمل بعمله ، وبغنيّ لا يبخل بماله عن أهل دين الله عزوجل ، وبفقير صابر ، فإذا كتم العالم علمه وبخل الغني ولم يصبر الفقير ، فعندها الويل والثبور وعندها يعرف العارفون بالله أن الدار قد رجعت إلى يديها أي إلى الكفر بعد الإيمان.
أيّها السائل لا تغترن بكثرة المساجد وجماعة أقوام ، أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتى ، أيها الناس إنما الناس ثلاثة : زاهد وراغب وصابر ، فأما الزاهد فلا يفرح بشيء من الدنيا ولا يحزن على شيء منها فاته ، وأما الصابر فيتمناها بقلبه فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها ، وأما الراغب فلا يبالي من حلّ أصابها أم من حرام» قال : يا أمير المؤمنين فما علامة المؤمن في ذلك الزمان قال : «ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حق فيتولاه وينظر إلى ما خالفه فيتبرأ منها وإن كان حبيبا قريبا» قال : صدقت والله يا أمير المؤمنين ، ثمّ غاب الرجل فلم يره فطلبه الناس فلم يجدوه فتبسم عليهالسلام على المنبر ثمّ قال : «ما لكم؟ هذا أخي الخضر عليهالسلام» ثمّ قال عليهالسلام : «سلوني قبل أن تفقدوني» فلم يقم إليه أحد ، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلىاللهعليهوآله ثمّ قال