وذكر نحو هذا عليّ بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير الموصلي في تاريخه ، فأمّا قوله : لم يكن لي معين إلّا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت فقال : ما زال عليهالسلام يقوله ، ولقد قاله عقيب وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : لو وجدت أربعين ذوي ، عزم ذكر ذلك نصر بن مزاحم في كتاب صفّين وذكره كثير من أرباب السّير ، وأمّا الذي يقوله جمهور المحدّثين وأعيانهم فإنّه عليهالسلام امتنع من البيعة ستّة أشهر ولزم بيته فلم يبايع حتّى ماتت فاطمة عليهاالسلام ، فلمّا ماتت بايع طوعا. وفي صحيح مسلم والبخاري : كانت وجوه الناس إليه وفاطمة باقية بعد ، فلمّا ماتت انصرفت وجوه الناس عنه وخرج من بيته فبايع أبا بكر وكانت مدّة بقائها بعد أبيها عليهالسلام ستّة أشهر (١).
الثاني : قال ابن أبي الحديد : روى أحمد بن عبد العزيز قال : لمّا بويع لأبي بكر كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى عليّ وهو في بيت فاطمة فيتشاورون ويتراجعون في أمرهم ، فخرج عمر حتّى دخل على فاطمة عليهاالسلام وقال : يا بنت رسول الله ما من أحد من الخلق أحبّ إلينا من أبيك وما من أحد أحبّ إلينا منك بعد أبيك ، وأيم الله ما ذاك بمانعي ان اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم فلمّا خرج عمر جاءوها فقالت : تعلمون أن عمر جاءني وحلف لي بالله إن عدتم ليحرقنّ عليكم البيت ، وايم الله ليمضين ما حلف له فانصرفوا عنّا راشدين ، فلم يرجعوا إلى بيتها وذهبوا فبايعوا لأبي بكر (٢).
الثالث : ابن أبي الحديد قال : وروى المبرد في الكامل صدر هذا الخبر عن عبد الرحمن بن عوف قال : دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي مات فيه فسلّمت وسألت ما به فاستوى جالسا فقلت: أصبحت بحمد الله باريا فقال : أما إني على ما ترى لوجع وجعلتم لي معاشر المهاجرين شغلا من وجعي ، وجعلت لكم عهدا منّي من بعدي ، واخترت لكم خيركم في نفسي فكلّكم ورم لذلك أنفه رجاء أن يكون الأمر له ورأيتم الدّنيا قد أقبلت ، والله لنتخذنّ ستور الحرير ونضائد الديباج وتالمون ضجائع الصوف الأذربي ، كان أحدكم على حسك السعدان والله لئن يقدم أحدكم فيضرب عنقه في حدّ خيّر له من أن يسبح في غمرة الدّنيا ، وإنّكم غدا لأوّل ضال بالناس ، وساق حديثه إلى أن قال : وقال أبو بكر: أما إنّي لا أساء إلّا على ثلاث فعلتهن وددت أنّي لم أفعلهن ، وثلاث لم أفعلهن وودت انّي فعلتهن وثلاث وددت أني لم أكن فعلتها فوددت ، أنّي لم أكن كشفت عن بيت فاطمة وتركته ولو اغلق على حرب ، ووددت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين عمر أو أبي عبيدة فكان أميرا وكنت وزيرا ، ووددت أن إذا أتيت بالفجاء لم
__________________
(١) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٠.
(٢) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٤٥.