والجهاد وإن تأخر بعضهم عن بعض. ويتصل كذلك بمعنى التسامح والتصافي ونسيان الماضي الأليم. وهو تلقين مستمر المدى في كل ظرف مماثل على ما هو المتبادر. وفي سورة التوبة آية فيها توطيد لهذا المعنى بأسلوب آخر وهي (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (١١).
والفقرة الثانية من الآية الرابعة هي في صدد أولوية ذوي الأرحام ببعضهم حينما يكونون جميعهم مسلمين في كل ما يترتب على ذوي الأرحام نحو بعضهم من حقوق وتبعات ويدخل في ذلك حقوق التوارث طبعا. وهذه الحقوق ممتنعة بين المسلمين والكفار على ما أوضحته السنّة النبوية حيث روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي حديثا عن النبي صلىاللهعليهوسلم جاء فيه : «لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم» (١). وحيث روى أصحاب السنن حديثا نبويا ثانيا جاء فيه : «لا يتوارث أهل ملّتين شتّى» (٢). ولقد روى المفسرون (٣) أن هذه الآية نسخت ما كان قبلها من التوارث بين المتآخين من المهاجرين والأنصار وأنها نزلت لحدتها ومتأخرة عن سابقاتها. ومع احتمال صحة تأخرها عن سابقاتها حيث احتوت حكما متعلقا بمن التحق بالمسلمين مؤخرا مهاجرا مجاهدا وكون وضعها في محلها هو للتناسب الموضوعي فإننا غير مطمئنين إلى القول بوجود نسخ فيها على النحو الذي ذكره المفسرون استنباطا من الآية الأولى بعد أن رجحنا أن هذه الآية هي في صدد الحثّ على التضامن والتناصر وليست في صدد توطيد التوارث بين المتآخين من الأنصار والمهاجرين استنادا إلى القرائن الملموحة في الآية نفسها.
ولقد روى الطبري وغيره أن الآية في صدد منع التوارث التعاقدي حيث كان من عادتهم حينما يدخل واحد في ولاء آخر أن يقول كل منهما للآخر (وترثني
__________________
(١) انظر التاج ، ج ٢ ص ٢٢٩.
(٢) انظر المصدر نفسه.
(٣) انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي.