القائلين إنه لا يصح أن يكون في القرآن ما لا يفهمه أحد هي في صدد ما في ذلك من حكم وحقائق إيمانية وهذا حق. ولا نرى هذا التقرير متناقضا مع قولنا الآنف لأن ذلك مقرر في آيات قرآنية عديدة. ولسنا نرى من الضروري لأجله أن تكون (الواو) عطفية.
ومعلوم أن الصدر الإسلامي الأول درج على عدم الخوض في كيفيات وماهيات ما ورد في القرآن من صفات الله وأعضائه وحركاته ومشاهد كونه وسائر ما في المتشابهات من أمور لا تعرف حقائقها والاكتفاء بالقول (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) والمتبادر أن هذا الذي يراه كثير من الأئمة في مختلف الحقب الإسلامية هو الأولى والأسلم هو نتيجة لما في الآية ثم في الأحاديث من تلقين.
ولقد روى بعض المفسرين عن ابن عباس قوله : «أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله». ونحن نشكّ في صدور هذا القول عن ابن عباس إذا كان أريد به علم تأويل كل ما في القرآن من أسرار ومتشابهات علما لا يقتصر على الحكمة ويشمل السرّ والكنه والماهية. ولقد روى عن ابن كثير الذي روى عنه القول الأول قولا آخر جاء فيه «التفسير على أربعة أنحاء تفسير لا يعذر أحد على فهمه. وتفسير تعرفه العرب من لغاتها. وتفسير يعلمه الراسخون في العلم. وتفسير لا يعلمه إلّا الله». وعقب ابن كثير على هذا بقوله : إن هذا القول يروى عن عائشة وعروة وأبي الشعثاء وأبي نهيك وغيرهم. ولا يخلو هذا القول من سداد فيه توفيق بين القولين. والله تعالى أعلم.
ولقد روى المفسر الشيعي الطبرسي عن أبي جعفر أحد الأئمة قوله : «إن الأئمة والأوصياء من آل رسول الله يعلمون تأويله». وروى المفسر الشيعي العلوي عن الصادق من الأئمة قوله : «نحن الراسخون في العلم نحن نعلم تأويله». ونحن نقف من هذا موقف التحفظ كما فعلنا في قول ابن عباس. ونرجح أن هذا من نوع الأقوال التي يسوقها مفسرو الشيعة في كل مناسبة. والله تعالى أعلم.