وسادسا : لقد كانت الآية [٥٥] التي ذكر فيها رفع عيسى عليهالسلام بعد توفّيه موضوع بحوث وتأويلات وروايات (١) معزوّة إلى ابن عباس وغيره بالنسبة لمفهوم التوفي والرفع وما إذا كان عيسى عليهالسلام مات ثم رفع ، أو رفع دون موت ، وما إذا كان رفع بروحه أو بروحه وجسده. وما قد يترتب على ذلك من تصادم مع آيات قرآنية أخرى وأحاديث نبوية إذا قيل إنه مات ثم رفع ؛ حيث جاء في سورة النساء هذه الآيات : (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٥٨) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) (١٥٩) وحيث روى الشيخان والترمذي حديثا عن أبي هريرة جاء فيه : «والذي نفسي بيده ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم عليهالسلام حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتّى لا يقبله أحد وحتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها» (٢). ثم قال أبو هريرة واقرأوا إذا شئتم : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) (١٥٩) وهناك حديث نبوي آخر طويل في الدجال رواه مسلم والترمذي وأبو داود ذكر فيه أن الله يبعث المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق (٣).
ومما رواه المفسرون وقالوه : إن التوفّي هنا هو توفية أيام عيسى في الأرض كما قالوا إن جملة (مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) بمعنى قابضك من الأرض بدون موت أو إني مميتك ثم رافعك إليّ. واستدلوا بالآية (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ
__________________
(١) انظر تفسير الآية في الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والطبرسي.
(٢) انظر التاج ج ٥ ص ٣٢٣ ـ ٣٢٥.
(٣) المصدر نفسه.