أنزل الله الآية دعا النبيّ عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهمّ هؤلاء أهلي» (١).
ولقد شغل هذا الأمر حيزا كبيرا في احتجاجات الشيعة وتأويلاتهم. وكانت رواية أخذ النبي صلىاللهعليهوسلم الحسن والحسين وفاطمة وعليا رضي الله عنهم معه إلى المباهلة عمادهم في ذلك. واعتبروها حقيقة يقينية وقالوا إن جملة (وَأَنْفُسَنا) عنت عليا لأن النبي هو الداعي فلا يكون مدعوّا وإن عليا والحالة هذه أفضل الخلق بعد النبي وأفضل من سائر الأنبياء لأنه في مقام النبي محمد. وإن عدم اصطحاب النبي أحدا من نسائه واصطحابه فاطمة يدل على أن كلمة (وَنِساءَنا) في الآية لا تعني زوجاته وإنما عنت بنته. وإن الحسن والحسين هما ابنا النبي ولو لم يكونا من صلبه لأنه اصطحبهما على اعتبار أنهما أبناؤه. وإنه لما كانت المباهلة لا تصلح إلّا بين مكلفين فيكون صغر سنهما وعدم بلوغهما الحلم لا ينافيان كمال العقل والتكليف فضلا عن جواز خرق الله العادة للأئمة واختصاصهم بما لا يشركهم فيه غيرهم.
والتكلّف والتجوّز والتعسّف بل والمفارقة ظاهرة في كل ذلك مما يقع الشيعة في مثله وأكثر منه على ما مرّ منه أمثلة كثيرة. ولقد تغافلوا في تأويلاتهم عن كون النبي لا يمكن أن يناقض القرآن في تسمية بنته الوحيدة بنسائه حيث عنى القرآن بهذه الكلمة زوجات النبي صلىاللهعليهوسلم في آيات سورة الأحزاب [٢٨ ـ ٣٠] كما تغافلوا عن أن الدعوة كانت مشتركة (تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) فلم يسألوا أنفسهم ماذا تكون عنت كلمة (وَأَنْفُسَكُمْ) بالنسبة للوفد حينما أوّلوها بالنسبة للنبي بعلي أي بغير النبي. ولم يرو أحد أن الوفد كان يصطحب نساء وأولادا. وأسلوب الآية أسلوب تحدّ وإفحام. وابن هشام الذي يروي خبر ما كان بين النبي ووفد نجران بالتفصيل ويورد آيات سورة آل عمران في سياق ذلك لم يذكر أن النبي صلىاللهعليهوسلم استعد للمباهلة فعلا كما لم يذكر أنه أخذ فاطمة وعليا والحسن والحسين رضي الله عنهم للمباهلة. وكل ما ذكره أن النبي صلىاللهعليهوسلم دعاهم إلى المباهلة فاستمهلوه لينظروا في الأمر ثم غدوا فقالوا له رأينا يا أبا القاسم أن لا نلاعنك. وكل هذا يجعلنا نشك
__________________
(١) انظر أسد الغابة والمواهب اللدنية للزرقاني ومشارق الأنوار للحمزاوي.