ما كانوا يحاولونه ويبيتونه كان منهم بغيا وعدوانا وحسدا وغيظا. وهو ما حكته عنهم آيات سلسلة البقرة أيضا وهذا ملموح بنوع خاص في الآية [٧٣].
والفقرة الأخيرة من هذه الآية جديرة بالتنويه بصورة خاصة. فاليهود كانوا يتبجحون بأن فضل الله ونبواته محصورة فيهم. وكانوا يتواصون بعدم الإفضاء بما يعرفون من أسرار دينية حتى لا يحاججهم المسلمون أو يعرفوا ما يعرفونه. فردت عليهم الآية منددة من جهة. وانطوى فيها تثبيت للمسلمين من جهة أخرى. كأنما أريد أن يقال لهم ليس من حرج على فضل الله. فهو يختص به من يشاء. وقد اختصهم بنبوة نبي منهم وبكتاب أنزله بلغتهم.
وهذا الموقف مما كان يتكرر من اليهود على ما يستفاد من آيات سلسلة البقرة التي مرّ تفسيرها ومن الآيات الأولى من سورة الجمعة على ما سوف يمرّ شرحها أيضا.
والسياق يفيد بصراحة تامة أن جملة (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) هي حكاية لتواصي اليهود لبعضهم وشعار من شعاراتهم وليست تقريرا ربانيا مباشرا موجها فيه الخطاب إلى المسلمين كما يتوهمه بعضهم فيجعلونه شعارا لهم. والشعار أو الجملة تمثل شدة تعصب اليهود إزاء غيرهم وعدم تبادلهم الاعتماد والثقة مع الغير وحذرهم الدائم منه. وقد صار هذا شعارا يهوديا عاما وجبلّة من جبلّتهم التي جعلت كل الناس في كل ظرف ومكان يزوروّن منهم ويقفون منهم نفس الموقف.
أما المسلمون فشعارهم تجاه غيرهم يتمثل أولا في الضابطين المنطويين في آيتي سورة الممتحنة [٨ و ٩] اللتين أوردناهما في سياق شرح الآيات [٢٧ و ٢٨] من هذه السورة وهو البرّ والإقساط وحسن التعامل والتعايش مع المسالمين الموادّين لهم وعدم تولّي الظالمين المعتدين عليهم. ثم في الآيات الكثيرة المكية والمدنية التي تقرر وجوب التزام الحقّ والعدل والقسط والتعامل بذلك وأداء الأمانات إلى أهلها والوفاء بالعدل وعدم الخيانة والغدر مطلقا في كل وقت وظرف