وفي هذا صور متنوعة من السيرة النبوية في مكائد اليهود وحالات مرضى القلوب ومجاهدة النبي صلىاللهعليهوسلم بين ذلك كله.
والشدة في الإنذار والتقريع تلهم أن أثر الارتداد كان شديدا في نفس النبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمين سواء أكان من اليهود أم من العرب. ولعلّ هذا يفسر ما أثر من حديث نبوي صحيح في حلّ دم المرتد إذا لم يتب على ما شرحناه في سياق الآية [٢١٩] من سورة البقرة.
ولقد تعددت تأويلات المفسرين لمفهوم الآية [٩٠] الذي يمنع قبول توبة الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا. فقال بعضهم إنها تعني أن لا تقبل توبتهم ما داموا مشتدين في كفرهم. وقال بعضهم لا تقبل منهم أعمال خير وهم على كفرهم وهذا وذاك من تحصيل الحاصل. وقال بعضهم لا تقبل توبتهم حين الظفر بهم لأن توبتهم تكون غير صادقة. وقال بعضهم لا تقبل توبتهم إذا تابوا حين الموت (١). وقد يكون في القولين الأخيرين الوجاهة والصواب. وفي سورة النساء آيات تؤيد القول الأخير خاصة حيث جاء فيها : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١٨).
ويتبادر لنا إلى ذلك أن أسلوب الآية والآية التي تليها هو أسلوب تعبيري في صدد شدة الإنذار تتناسب مع فظاعة العمل.
والمتبادر أن تعبير (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) هو تعبير مستمد من شدة تقدير قيمة الذهب في أذهان السامعين بقصد التعبير عن
__________________
(١) انظر تفسير الآية في الطبري والخازن وابن كثير والطبرسي والبغوي.