السياق منها حديث رواه الشيخان عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية» (١). وحديث رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات ميتة جاهلية. ومن قتل تحت راية عمّيّة يغضب للعصبية ويقاتل للعصبية فليس من أمّتي. ومن خرج من أمّتي على أمتي يضرب برّها وفاجرها لا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي بذي عهدها فليس من أمتي» (٢).
والمتبادر أن المقصود من الجماعة هو جمهور المسلمين المخلصين في إيمانهم وإسلامهم القائمين بالحق والواجب. وأن المقصود من جملة (ما يكره) في الحديث السابق هو ما لا يلائم المرء لأن هناك أمورا قد لا تلائم المرء ولا تكون معصية. أما إذا أمر بمعصية أو كانت معصية محققة فلا طاعة ولا صبر. وهذا ما جاء في حديث رواه الخمسة عن ابن عمر عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبّ أو كره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (٣). وهناك أحاديث أخرى من هذا الباب فاكتفينا بما تقدم (٤).
ولقد ورد في سورة الأنعام نهي عن التفرق عن سبل الله واتباع السبل الأخرى ونعي على الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا [الآيات : ١٥٣ و ١٥٩] وعلقنا على ذلك وأوردنا بعض الأحاديث في سياقها. وهذه الأحاديث تفيد أن أهل البدع والأهواء بعض الأحاديث في سياقها ويلحظ فرق بين المقامين حيث إن آيات الأنعام تنهى في الدرجة الأولى عن التفرق في أمر الدين وأن الجملة التي نحن في صددها تنهى عن التفرق في الدرجة الأولى في أمر الدنيا. ومع ذلك فبينهما لقاء من حيث إن الإسلام يشمل شؤون الدين والدنيا معا. والله تعالى أعلم.
__________________
(١) التاج ، ج ٣ ص ٤٠.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) انظر المصدر نفسه ، ص ٣٥ ـ ٤٥.